بقلم - عمرو الشوبكي
السؤال الذى مازال محل نقاش فى الأوساط العلمية والسياسية عن أسباب تصاعد اليمين المتطرف فى الغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص؟ وهل سيصبح العقد القادم عقد اليمين القومى المتطرف وتدخل أوروبا والعالم حقبة جديدة تختلف عن التى عرفتها عقب الحرب العالمية الثانية وحتى حرب أوكرانيا؟.
الحقيقة، هناك مجموعة من الأسباب ساعدت على صعود اليمين المتطرف مازالت دون حل، بما يعنى أنه سيبقى فى أوروبا والعالم لعقود قادمة.
هناك سبب أول وراء تصاعده، يتمثل فى تأثير خطاب الهوية الوطنية فى مواجهة العولمة، فطالما أن العولمة مازالت خيار الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، بما فيها الصينية، فإن هذا يعنى استمرار خطاب اليمين القومى المتطرف الذى يسعى لحماية الحدود والهويات الوطنية وعرقلة حرية التجارة لصالح حماية الصناعات الوطنية، وتعزيز الشعور القومى على حساب الوحدة الأوروبية والعولمة. أما السبب الثانى فيتمثل فى عجز الأحزاب التقليدية عن حل المشاكل الاقتصادية؛ فتدهور مستوى معيشة كثير من الأوروبيين، خاصة بعد كورونا وحرب أوكرانيا، وعجز اليمين التقليدى المعتدل واليسار التقليدى عن حلها، مما عظم من الخطاب الشعبوى لليمين القومى المتطرف.
أما السبب الثالث، فقد اتضح أثناء أزمة كورونا، حيث خرجت نظريات المؤامرة الكونية التى روّج كثيرًا منها اليمين المتطرف، فاعتبر أن الشركات العالمية الكبرى صنعت الفيروس من أجل تحقيق مزيد من الأرباح، كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى معلومات مضللة مدفوعة من قوى اليمين المتطرف تثير الكراهية والعداء للأجانب، وتؤكد نظرية الفيروس المصنع أو الفيروس الصينى.
وقد مثّل صعود الصين قلقًا لدول الاتحاد الأوروبى، واعتبر اليمين القومى المتطرف أن هذا الصعود سيؤثر على هوية كل دولة أوروبية، كما أن هناك تخوفات من روسيا التى أرهقت الاتحاد الأوروبى بسبب العقوبات المفروضة عليها، وتسببت فى ارتفاع تكلفة أسعار الوقود عالميًا وأوروبيًا، وأخيرًا هناك مخاوف من هيمنة أمريكية على النظام العالمى بصورة قد تؤدى إلى إلغاء الآخرين، بمن فيهم الحلفاء الأوروبيون.
أما السبب الأخير والأهم، فهو يتعلق بتدفق المهاجرين الأجانب، وخاصة العرب والمسلمين، حيث اعتبر البعض أنهم يشكلون خطرًا على المجتمع الأوروبى، وتبنّى نظرية «الاستبدال العظيم»، التى ترى وجود مؤامرة من قبل النخب الحاكمة الرأسمالية المناصرة للعولمة والتى تدعم عمليات الهجرة الجماعية من أجل بناء عالم جديد، تختفى فيه الخصوصيات القومية والعرقية والثقافية، ويصبح قابلًا للسيطرة والتشكل بما يلبى احتياجات الاقتصاد المتعولم.
أسباب صعود تيارات اليمين القومى المتطرف مازالت قائمة ومستمرة معنا، فمازالت هناك أزمة تخص اللاجئين وأيضًا الأوروبيين من أصول مهاجرة، ومازال الخوف من الصين حاضرًا، ونظريات المؤامرة مازال هناك من يسمعها، بما يعنى أن اليمين المتطرف مستمر معنا لعقود قادمة وسيظل التحدى ترويضه، لأنه لا يمكن إلغاؤه.