بقلم - عمرو الشوبكي
لم يكن يتخيل أحد أن تُقدم ممرضة، فى بلد صناعى ديمقراطى متقدم مثل بريطانيا، على ارتكاب جريمة بشعة، وتقتل، بدم بارد، أثناء عملها، أطفالًا رضع، فقد قامت الممرضة البريطانية، لوسى ليتبى، (33 عامًا)، فى قسم الأطفال، بأحد مستشفيات مدينة تشيستر الإنجليزية، بقتل 7 أطفال رضع حديثى الولادة، حيث كانت تهاجمهم فى مكان عملها، بعد مغادرة أهلهم، أو بعد مغادرة الممرضة المسؤولة، أو فى الليل عندما تكون بمفردها، وعثرت السلطات على أوراق متعلقة بالعديد من الأطفال الذين تُوفوا، خلال نوبة مداومة الممرضة ليلًا ونهارًا.
وقد قامت «لوسى» بحقنهم بالأنسولين، وأحيانًا بحقن الهواء، أو دس الحليب بالقوة فى أفواههم، ومن بين الضحايا توأمان قُتلا فى غضون 24 ساعة، ورضيع يقل وزنه عن كيلوجرام واحد، كما حاولت قتل 6 رضع آخرين، وأُدينت على جرائمها، وحُكم عليها الأسبوع الماضى بالسجن مدى الحياة، وقال القاضى فى حيثيات حكمه: «أحكم عليها بالسجن مدى الحياة»، وأوصى بعدم تطبيق أحكام الإفراج المبكر، ووجّه كلامه إلى الممرضة القاتلة: «ستقضين بقية حياتك فى السجن». يقينًا هذا النوع من الجرائم أمر نادر وغير متكرر فى كل المجتمعات والثقافات، خاصة حين تكون الضحية أطفالًا رضع ليسوا جزءًا من مشاجرة أو إساءة تتحول إلى جريمة قتل، ولن يقتلهم أحد بدافع السرقة، فهم لا يمتلكون إلا أرواحهم البريئة، وغير قادرين على المقاومة أو القيام بأى رد فعل.
هذه الجريمة الاستثنائية فى بشاعتها لم تدفع أحدًا إلى المطالبة بسحب الجنسية البريطانية من الممرضة البيضاء، كما يطالب البعض فى أوروبا بمواجهة جرائم يقوم بها أوروبيون من أصول مهاجرة، فلقد طُبق القانون العادل الصارم على الممرضة، ونالت أقصى عقوبة، وأُغلق الملف، ولنا أن نتصور ماذا سيكون رد الفعل لو كانت مرتكبة هذه الجريمة ممرضة من أصول عربية، لكان قد تم استدعاء كل الأحكام القيمية عن ثقافتها وأصولها، وحتى اسمها، ولكانت قد تعرضت لحملة عنصرية تطالب فى النهاية بسحب الجنسية البريطانية منها.
من المؤكد أن مطالبة بعض السياسيين الأوروبيين بسحب الجنسية من مواطنين أوروبيين ذوى أصول مهاجرة فى حال ارتكابهم نوعية بشعة من الجرائم أو حوادث إرهابية هى امتداد لتصور متصاعد يعتبر، ولو ضمنًا، أن هؤلاء «الأوروبيين المهاجرين» لديهم «مواطنة منقوصة» نتيجة تمييز فى الواقع وليس على الورق، ومن مظاهر هذا التمييز المطالبة بسحب الجنسية منهم دون غيرهم، فى حال ارتكبوا نوعية من الجرائم.
جريمة الممرضة البريطانية ناقوس خطر توضح تأثير الاضطرابات النفسية على نوعية من البشر، بحيث تجعلهم يرتكبون جرائم بشعة، لا يتخيل أحد حدوثها، وأن الحل لن يكون بسحب الجنسية من أى مواطن، مهما كانت أصوله، إنما اتخاذ إجراءات وقائية تحُول دون تكرار هذه الجرائم وغيرها.