بقلم - عمرو الشوبكي
كثيرًا ما بحث تيار واسع من الناس عن قيادة الرجل القوى، ولم يقتصر الأمر على عالمنا العربى إنما شهده كثير من الدول والمجتمعات الغربية والشرقية، وكانت صورة الرجل القوى في القرون الوسطى هي صورة محاربين أشداء، أو ملوك وقادة اتسموا بالشجاعة وأسسوا لإمبراطوريات كبرى عاشت لقرون.
وعاد هذا النموذج وأطل برأسه بصور جديدة في العصر الحالى، فوجدنا قادة في القرن الماضى والألفية الثالثة وصلوا للسلطة على اعتبار أنهم مخلصون، ووجدنا منهم زعماء الكوارث الكبرى مثل هتلر الذي وصل بآلية ديمقراطية إلى حكم ألمانيا وروج بأنه سيعيد لبلاده كرامتها بالتخلص من شروط الحرب العالمية الأولى، وأنه سيبنى نهضتها الجديدة، ولكنه سرعان ما أدخل ألمانيا والعالم في الحرب الأكثر بشاعة في تاريخ البشرية من حيث عدد الضحايا وحجم الدمار الذي خلفته.
وهناك زعماء التحرر مثل الجنرال ديجول الذي ارتدى ثوب مخلِّص فرنسا من الاحتلال النازى، وكان نموذجًا للزعيم القوى الذي خلَّص فرنسا من الاحتلال والفوضى وفشل الأحزاب والنظام البرلمانى، وأسس الجمهورية الخامسة التي فُصلت على مقاس «الرئيس القوى».
كما عرف العالم العربى نموذج الرجل القوى في عهد جمال عبدالناصر الذي نال شعبية هائلة؛ باعتباره بطل تحرر وطنى في مواجهة الاستعمار، واعتبره كثيرون قادرًا على تحقيق طموحاتهم، فهو الذي سينقذهم من الفقر وسيعيد لهم كرامتهم كما تصوروا لفترات طويلة.
والحقيقة أن القائد القوى أو الزعيم المخلِّص في عصرنا الحالى لم يعد فقط هو رجل البطولات الكبرى والتحرر الوطنى إنما أصبح أيضًا نموذجًا لزعماء من خارج المشهد السياسى التقليدى وقدموا أنفسهم باعتبارهم مجددين للنظام القائم ومن خارج أطره التقليدية وقواه السائدة، فمثلًا تجربة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذي وصل للسلطة أول مرة في 2017 وهو يبلغ من العمر 40 عامًا ومن خلال حزب سياسى (فرنسا إلى الأمام) أسسه قبل عام من انتخابه، مستغلًا أخطاء المعسكرين اللذين هيمنا على الحياة السياسية في فرنسا منذ تأسيس الجنرال ديجول الجمهورية الخامسة عام 1958 وهما يمين الوسط الديجولى، واليسار الاشتراكى.
أما الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فقد ارتدى صورة الرئيس القادم من خارج المشهد السياسى التقليدى ويرفض الطبقة السياسية المسيطرة والإعلام واعتبر نفسه من خارجها، فهو رجال مال وأعمال وليس رجلًا سياسيًّا وتصرف كتاجر أكثر منه رئيسًا، واعتبر نفسه الرجل القوى الذي سيقضى على شرور المنظومة السائدة.
الترويج لنموذج الرجل أو الزعيم القوى ينطوى دائمًا على مخاطرة؛ لأن فيه الصالح والطالح، فهناك من استغل هذه الرغبة الشعبية في البحث عن الرجل القوى في مواجهة الفوضى وسوء الأداء وأسس لتجارب فشل دفع ثمنها شعبه، وهناك من أسس لتجارب نجاح اقتصادى وسياسى كانت البلاد في حاجة لها.