بقلم - عمرو الشوبكي
حدد الرئيس التونسى، قيس سعيد، ذكرى مرور عام على قراراته الاستثنائية موعدًا للاستفتاء على الدستور الجديد، وبالفعل صوّت حوالى ٢٧٪ من إجمالى مَن لهم حق الاقتراع على النص الدستورى، وجاءت النتيجة بتأييد ٩٤٪ للدستور الجديد، وبمقتضاه انتقلت البلاد من نظام شبه برلمانى إلى نظام رئاسى.
ويمكن اعتبار معظم فصول الدستور التونسى الـ142 إيجابية، وتنقل البلاد إلى نظام رئاسى معروف ومستقر في كثير من النظم الديمقراطية، ومع ذلك لم يَخْلُ الدستور من عيوب تستلزم المراجعة، وأبرزها عدم اشتراط موافقة البرلمان على الحكومة التي يعينها الرئيس كما هو مستقر في النظم الرئاسية الديمقراطية، كما عرف في مقدمته رطانة وجملًا أقرب إلى المنشور السياسى ليس لها مكان في نص دستورى.
ومع ذلك، فإن التجربة التونسية قد حسمت فشل النظام الهجين شبه البرلمانى، الذي دعمته حركة النهضة وحلفاؤها على مدار عشر سنوات، والذى قام على المواءمات الحزبية وعدم القدرة على اتخاذ أي قرارات إصلاحية سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى، وأصاب البلاد بالشلل، وفتح الباب لتنازع حقيقى في السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهو ما أضعف السلطة التنفيذية، وجعل رئيس السلطة التشريعية، (راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة)، في وضع أقوى، وتغول على صلاحيات رئيس الجمهورية المحدودة، وخاصة في مجال السياسة الخارجية، حين صال وجال بين البلاد الداعمة لتيارات الإسلام السياسى.
يقينًا، الدستور الجديد بمشاكله وبالتحفظ على بعض فصوله نقل البلاد نحو منظومة سياسية أمامها فرص أكبر من التي أتاحتها منظومة الدستور القديم لبناء دولة قانون وديمقراطية، ومع ذلك يبقى أمامها تحديان: الأول يتعلق بأداء الرئيس نفسه وفقدانه المتكرر للحلفاء وعدم إيمانه بالمؤسسات الوسيطة سواء كانت نقابية أو حزبية، فقد تجاهل الأحزاب والنقابات، وتحديدًا الاتحاد التونسى للشغل، الذي يضم أكثر من ٥٠٠ ألف عضو، وله قاعدة اجتماعية حقيقية، وسبق أن دعم قرارات الرئيس الاستثنائية العام الماضى، واتفق معه في قضايا واختلف في أخرى حتى بات موقفه حاليًا أقرب إلى المعارضة.
أما التحدى الثانى فهو التأسيس لمعارضة جديدة تناضل من داخل الدستور الجديد والشرعية القائمة بدلًا من معارضة أحزاب الأزمة، التي تصف ما جرى بالانقلاب، وتطالب الرئيس بالاستقالة، وتتوعّد داعميه.
في ظل المنظومة الدستورية والسياسية الجديدة، يمكن للرئيس قيس سعيد أن يخسر الانتخابات الرئاسية القادمة بعد عامين، في حال نظمت المعارضة نفسها، ونجحت في الوصول إلى الناس- ليس بشعارات ثورية أو بتقويض للنظام القائم، إنما برؤى في الإصلاح الإدارى والمؤسَّسى، ونضال سياسى مدنى، وبرامج بديلة في قضايا السياسات العامة من صحة وتعليم وخدمات ومواصلات- واعتبرت أن فرصها في التنظيم والنجاح في ظل نظام به أوجه قصور ديمقراطية أفضل بما لا يقارن من لا نظام أو من نظام استبدادى.