بقلم - عمرو الشوبكي
أصابت عملية قتل الأنبا أبيفانيوس، رئيس دير أبومقار، الرأى العام المسيحى والمصرى بصدمة كبيرة، خاصة أن الراحل هو رجل علم وأخلاق رفيعة ونموذج للإيمان المسيحى فى صورته السمحة والمشرقة، والمتهم بتنفيذ الجريمة أحد رهبان الدير (بمشاركة راهب آخر حاول الانتحار).
وكما اعتدنا مع كل مؤسسات وكيانات الدولة المصرية الكبيرة فإن هناك مواءمات كثيرة توجه موقفها حين يخطأ أحد أبنائها، خاصة إذا كان هذا الخطأ هو جريمة قتل، وليس مجرد انحراف بسيط، كما أن الكنيسة تحكمها حسابات كثيرة منها حرصها على صورتها أمام الراى العام، خاصة فى ظل وجود بعض المتطرفين المسلمين الذين سيحولون الجريمة الفردية إلى مناسبة للتعميم والإساءة للمسيحيين.
يقينا وضع الكنيسة المصرية فى ظل دولة قانون ومواطنه كاملة ومناخ عام متسامح سيكون أكثر راحة فى التعامل مع أى أخطاء تحدث داخلها، والعكس صحيح ستكون شديدة الحذر والتردد فى ظل شعورها ومعها قطاع واسع من المسيحيين بأن هناك من يستهدفهم.
ولهذه الأسباب أو لبعضها أصبحت الثقافة السائدة داخل مؤسسات الدولة الكبيرة هى «التكتم» عن الأخطاء وعدم إيصالها للرأى العام والتمسك بثقافة «كله تمام» واعتبار كل من يعيش فيها ملائكة وليسوا بشرا بينهم بالتأكيد خطاءون، ويكون الحساب عادة داخليا بعيدا عن الرأى العام، بل إن هناك مؤسسات تعتبر أن نشر أخطائها على الرأى العام إساءة لها ومحاولة لهدمها وليس مجرد بداية لتصويب الأخطاء من خلال رقابة المجتمع والرأى العام.
ورغم كل الأجواء غير المواتية للصراحة والشفافية فى مصر، ورغم اعتياد المؤسسات والكيانات الكبرى فى البلاد على اعتبار أى اعتراف بخطأ انتقاصا من هيبتها، إلا أن الكنيسة المصرية فعلت العكس واختارت بشفافية الاعتراف بخطيئة أحد أبنائها دون أى تلكؤ أو مراوغة.
كان يمكن للكنيسة أن تقفل على الحادث وتبتعد عن وجع الدماغ خاصة أن لها قنوات اتصال عديدة مع الدولة (مرئية وغير مرئية) تسمح لها بأن يكون الحساب على جريمة القتل بشكل سرى وغير معلن، لكنها اختارت الخيار الأنزه والأسلم وقدمت كل المعلومات اللازمة للدولة لكى يأخذ القانون مجراه.
واتخذ البابا تواضرس، عقب الجريمة، قرارات جذرية، فوضع قواعد جديدة لتنظم شؤون الرهبنة، أبرزها وقف الرهبنة لمدة عام، وتجريد كل راهب يحول مكانه إلى دير دون موافقة البطريركية، وعدم ظهور الرهبان الإعلامى، وعدم دخولهم فى تعاملات مالية أو البقاء دون سبب لفترات طويلة خارج الدير.
لم تتردد الكنيسة لحظة فى محاسبة المخطئ/ المجرم مهما كانت التحديات المحيطة ومهما كان الثمن الذى يمكن أن تدفعه من صورتها أمام قطاع من الرأى العام، وهى رسالة لكل المؤسسات والكيانات بأن طريق الإصلاح يبدأ بالاعتراف بالأخطاء والعمل على مواجهتها وتصحيحها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع