بقلم:عمرو الشوبكي
احتجاجات الطلاب فى 1968 أدت إلى تغيرات غير مباشرة فى بنية أكثر من نظام سياسى غربى، وخاصة أمريكا وفرنسا. فقد شهدت فرنسا فى 1968 ما عرف «بثورة الطلاب» حين خرجت مظاهرات عارمة ضد السلطة الأبوية وهيمنة الجنرال ديجول على النظام السياسى فى الداخل، وضد حرب فيتنام فى الخارج أو ما سمى بحروب «الإمبريالية»، وفق التعبيرات اليسارية المنتشرة فى ذلك الوقت.
وقد نجحت هذه الاحتجاجات فى تغيير بنية النظام السياسى القائم بعد فترة قصيرة، وقرر زعيم بوزن ديجول أن يستقيل فى عام 1970 عقب نتائج استفتاء لم تكن مرضية له، وشهد النظام السياسى والاجتماعى فى فرنسا تغيرات عميقة وظهر جيل جديد فى الحياة السياسية والمهنية فرض نمطا من العلاقات الاجتماعية والأسرية اختلف عما كان قبل ثورة 1968 حتى لو لم يحكم بشكل مباشر.
أما فى أمريكا فقد كانت حرب فيتنام هى «الموقعة الكبرى» لاحتجاجات الطلاب، فتظاهر عشرات الآلاف منهم رفضا للحرب واحتجاجا على الدماء التى تسيل هناك، وكانت أيضا جامعة «كولومبيا» معقلا للاحتجاجات فى 1968 و2024 وساهمت فى إيقاف الحرب التليفزيونية الأولى التى شهد الأمريكيون بعض فظائعها عبر صور حية عززت من رفض كثير منهم للحرب. أما حرب غزة فلم يعد الأمر مقصورا على متابعة الفضائيات وقنوات الأخبار الكبرى التى تمرد عليها كثير من الشباب، إنما أصبح هناك جيل يشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعى بالصوت والصورة مشاهد يومية للمجازر التى تجرى فى غزة.
فى 1968 كما فى 2024 واجه الطلاب جماعات ضغط قوية؛ ففى الأولى واجهوا «لوبى» صناعة السلاح والحرب، وفى الثانية واجهوا «اللوبى» الأقوى فى تاريخ أمريكا وهو اللوبى الصهيونى الداعم بشكل مطلق لإسرائيل.
احتجاجات 1968 غيرت فى معادلات السياسة وأسهمت فى إيقاف حرب فيتنام بعد أن دفع الأمريكيون ثمنا باهظا من دماء أبنائهم، لأن أمريكا كانت طرفا مباشرا فى هذه الحرب البشعة، أما احتجاجات 2024 فمهمتها أصعب؛ لأنها تواجه منظومة حكم راسخة تقوم على اعتبار دعم إسرائيل أحد مصادر شرعيتها واستمرارها فى السلطة، وأن هناك سردية سياسية ودينية وشبكة مصالح اقتصادية وإعلامية تدعم هذا الخيار.
والمؤكد أن اللوبى الداعم لإسرائيل فى الولايات المتحدة أكثر قوة من اللوبى الذى دعم حرب فيتنام فى ستينيات القرن الماضى، فقد كانت حربا استعمارية نهايتها معروفة مثل كثير من الحروب المشابهة، أما فى حالة غزة فأمريكا متهمة أخلاقيا بدعم الاحتلال الإسرائيلى فى حرب لا يسقط فيها ضحايا أمريكيون، ومع ذلك فإن قوة الرسالة الأخلاقية والسياسية التى بثها الطلاب داخل قطاعات من المجتمع الأمريكى تؤكد مرة أخرى أنها قادرة فى المستقبل المنظور أن تغير فى معادلات الحكم والسياسة، وأن تفرز نخبا جديدة تحمل رواية مختلفة للصراع الفلسطينى الإسرائيلى.