بقلم - عمرو الشوبكي
أعلن قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس العسكرى السودانى محمد حمدان دقلو (حميدتى) تَرْك أمر الحكم للمدنيين وتفرّغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية، وأعلن دعمه لقرار الفريق البرهان، قائد الجيش، بانسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار الوطنى واستعدادها لترك الحكم.
وأكد حميدتى عدم تمسك الجيش بالسلطة، وأنه سيتيح الفرصة لقوى الثورة والقوى الوطنية أن يتحاوروا ويتوافقوا من دون تدخل المؤسسة العسكرية، و«قررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين، وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية السامية المنصوص عليها في الدستور والقانون».
وبصرف النظر عن تشكك البعض في النوايا الحقيقية لقادة الجيش السودانى، إلا أنه من الواضح أن هناك استعدادًا حقيقيًا لترك السلطة للمدنيين، بشرط أن تنجح القوى المدنية، وخاصة قوى الحرية والتغيير (شهدت ثلاثة انقسامات)، في تقديم بدائل سياسية وبناء مؤسسات حزبية قادرة على الحكم والإدارة.
صحيح أن السودان يعانى من أزمات كبيرة ومركبة، كثيرٌ منها يتحمله نظام البشير الذي لم يؤسس فقط لحكم استبدادى استمر ٣٠ عامًا، وإنما عَمِل على إضعاف مؤسسات الدولة وأخونتها، والقضاء على حيادها ومهنيتها، وهو أمر لايزال يعانى منه السودان حتى اللحظة، كما شهدت البلاد عقب نجاح الثورة أزمات حكم وإدارة منذ تولى حمدوك رئاسة الحكومة وحتى انقلاب البرهان على المسار السياسى المأزوم في ٢٥ أكتوبر من العام الماضى، وهو ما رفضه قطاع واسع من الشعب السودانى، وعرفت البلاد على أثره احتجاجات واسعة مازالت مستمرة حتى الآن.
وقد رفعت قوى التغيير الجذرى بجانب قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزى، (على ما بينهما من خلاف)، شعارَ رَفْضِ التفاوض مع الجيش، كما طالب التيار الأول بحل قوات الدعم السريع وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية قبل إجراء الانتخابات وليس من خلال سلطة منتخبة، واعتبرت أن انسحاب الجيش من المجال السياسى سيحل كل مشاكل السودان.
والحقيقة أن تبسيط مشاكل البلاد بهذه الطريقة أمر لا علاقة له بالواقع، فالمطلوب من القوى المدنية أن تقدم بدائل قابلة للتحقيق لكثير من السياسات القائمة، وبناء مشروع سياسى وحزبى منظم ومؤسسى، ولا تكتفى فقط بالصوت الاحتجاجى.
مطلوب من القوى المدنية والأحزاب السياسية الكبرى، مثل حزب الأمة وغيره، أن تتوافق على خريطة طريق تنهى المرحلة الانتقالية في أسرع وقت، والاتفاق على شكل النظام السياسى الجديد (رئاسى ديمقراطى)، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تؤسس لشرعية نظام جديد قادر على إصلاح مؤسسات الدولة، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية، لا أن تطالب قوى منقسمة على نفسها باسم الثورة بإصلاح الجيش وباقى المؤسسات.
مازالت أمام السودان وقواه المدنية فرصة كبيرة لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وتحويل طاقة ثورته العظيمة إلى مشروع حكم وليس احتجاجا أو إقصاءً.