بقلم - عمرو الشوبكي
لم تعد مشكلة إسرائيل تكمن فقط فى حكومتها أو فى منظومة الحكم المتطرفة التى تدير البلاد، إنما أيضًا فى مجتمعها الذى ذهب نحو التطرف ودعم الإبادة الجماعية وقتل الأطفال والمدنيين وفق تبريرات دينية وعنصرية.
والحقيقة أن المجتمع الإسرائيلى ومنظومة حكمه المتطرفة أعادت النظر فى كثير من المقاربات الاجتماعية التى رفضت الحديث عن «المشكلات البنيوية» لمجتمع من المجتمعات، وكانت فى صالح تقدم وتحول أى مجتمع نحو العدالة والمساواة طالما امتلك سياقًا سياسيًا يعزز ذلك ودولة قانون وديمقراطية.
والحقيقة أن دعم الغالبية الساحقة من المجتمع الإسرائيلى لهذا العدوان الغاشم على قطاع غزة فتح الباب أمام مراجعة هذه الرؤى والتصورات التى لم تعتبر أن هناك عيوبًا هيكلية فى بنية أى مجتمع مرتبطة بجوهر ثقافته ومنظومة قيمه وركزت على السياق السياسى والاجتماعى القادر على تغيير هذه المجتمعات نحو قيم حداثية أكثر تقدمًا وإيمانًا بالمساواة.
يقينًا حالة «الهستيريا» الإسرائيلية فى ممارسة الانتقام وقتل المدنيين من الصعب أن نجدها فى تجارب بلدان استعمارية أخرى، وإن خطاب النخبة الإسرائيلية فى الداخل والخارج لا يحرض فقط على الكراهية والعنصرية، إنما يعطى غطاء سياسيًا لجرائم الإبادة الجماعية وقتل المدنيين والأطفال بشكل متعمد، وهذا الخطاب بات مدعومًا من الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلى وهو أمر غير مسبوق فى تاريخ الحروب الاستعمارية الحديثة.
حيث اختار المجتمع منظومة قيم الإبادة الجماعية والقتل والتهجير كحل للقضية الفلسطينية، وأصبح كأنه جزء من حروب ما قبل الميلاد أو بعض حروب القرون الوسطى التى طرحت فيها مثل هذه الأفكار والممارسات، ولم تعرفها تجارب الاستعمار الحديثة والمعاصرة على كل مساوئها.
إن من يتابع تصريحات النخب الإسرائيلية من كل الاتجاهات سيرى حجم التحريض على القتل والإبادة الجماعية، وبدت المشكلة متجذرة فى بنية المجتمع الإسرائيلى لأسباب هيكلية تتعلق بالنشأة التى قامت من الأساس على نفى الآخر والعمل على إزالته من الوجود وهى مسألة لم تحدث حتى فى جنوب إفريقيا، حيث بقيت الغالبية السمراء فى بلادها، حتى لو حُرمت من حقوقها السياسية ومورس بحقها تمييز عنصرى بغيض.
المجتمع الإسرائيلى فى اللحظة الحالية يعانى من أزمة هيكلية فى بنية ثقافته ومنظومة قيمه، صحيح أن تواطؤ العالم الغربى مع إسرائيل واعتبارها دولة محصنة فوق القانون الدولى والمحاسبة عزز من هذه الأزمة الهيكلية فى بنية المجتمع الإسرائيلى وأدى إلى تراجع تحليلات المدارس الاجتماعية التى تراهن دائمًا على قدرة السياق السياسى ودولة القانون والديمقراطية على مواجهة عيوب أى مجتمع وتصويبها، إلا أن ما جرى فى إسرائيل كان العكس، وهو أن منظومة القيم العدوانية التى تعمقت داخل المجتمع منذ نشأة الدولة العبرية هى التى طوعت مبادئ الديمقراطية ودولة القانون لصالح هذا التحريض على القتل وجرائم الإبادة الجماعية.