بقلم : عمرو الشوبكي
من الصعب الفصل بين تراجع الطلب على السياسة وتراجع الاهتمام بالانتخابات، فستظل المشكلة الحقيقية فى غياب السياسة وتراجع الطلب عليها منذ تعثر مسار ثورة 25 يناير، وتنامى شعور لدى تيار واسع من المصريين بأن الجرعة السياسية الزائدة التى عرفتها البلاد عقب يناير أوصلتنا لفشل استلزم التنازل عنها.
ورغم أن سقوط حكم الإخوان جاء نتيجة استمرار الطلب الجماهيرى على السياسة، وخروج مئات الآلاف من المصريين فى مواجهة مشروع الإخوان فى التمكين الأبدى للسلطة، إلا أن الترتيبات التى أعقبت 3 يوليو أخرجت «الطلب على السياسة» من التأثير والفعل، وراج خطاب يؤكد على أن الأحزاب ضعيفة، والشعب غير مهيأ للديمقراطية، وأنه حان الوقت لكى يحكم مصر رئيس يتحدث باسم الجميع، وقال الرئيس السيسى صراحة إن الديمقراطية لن تكون قبل 25 عاما، وإنه ليس سياسياً، ويرغب أن ينجز ويبنى ويستكمل مشاريعه القومية دون ضجيج السياسة وإزعاج السياسيين.
حصيلة الوضع الحالى هى ليس فقط غياب السياسة نتيجة أسباب كثيرة، منها مسؤولية الحكم الحالى، إنما أيضا غياب الطلب عليها من قبل قطاع واسع من الجماهير.
وعلينا أن نتأمل كيف تعاملت الناس بحياد ولا مبالاة (أو بالحد الأقصى معارضة عابرة) مع كل الإجراءات التى اتخذت بحق كل من طرح نفسه للمنافسة فى انتخابات الرئاسة، ولم يهتم الناس كثيرا بالأمر وكأنه لا يعنيهم ولا يخصهم، بصرف النظر عن القيود المفروضة التى تمنع التظاهر لا الاهتمام.
ويكفى أن الفريق شفيق لم يجد من يستقبله حين عاد من منفاه من بين الـ12 مليون مصرى الذين صوتوا له فى الانتخابات التنافسية الوحيدة التى شهدتها مصر فى 2012، بل حتى حزبه أيد الرئيس السيسى منذ البداية، وتكلم قياداته كأنهم أعضاء فى حملته، وليسوا أعضاء فى حزب أسسه منافس محتمل للرئيس.
وتبقى المعضلة الحقيقية فى عدم اهتمام قطاع واسع من المصريين بالسياسة، بما يعنى أن النتيجة ستكون تراجع الاهتمام بأحد أبرز مظاهر العملية السياسية، وهى الانتخابات، سواء من كان سيذهب مؤيدا صادقا للرئيس أو معارضا له.
وعلينا ألا نندهش أن يكون كثيرا ممن تصدوا لمشهد التأييد فى الوقت الحالى من مؤيدى كل النظم، وانزوى كثير من المؤيدين الصادقين كما المعارضين تماما.
إن المشاركة الواسعة للناس فى أى عملية انتخابية (حتى لو مضمون فوز الرئيس فيها) تتطلب منافسة بين برامج وشخصيات ومدارس فكرية وسياسية مختلفة، وهو ما غاب عن هذه الانتخابات، وهذا ما قد يفسر لنا استخدام الدولة لخطاب وأدوات غير سياسية لدفع الناس للمشاركة فى انتخابات «تروح وتجىء»، وجرت الإحالة للقضايا الوطنية الكبرى للتغطية على تقييم الأداء السياسى والاقتصادى ومناقشة مشاكله وتحدياته بجرأة وشفافية.
صحيح أن مصر تعانى من مشاكل الإرهاب، ولكنها تعانى أيضا من مشكلات سوء أداء وانعدام كفاءة وغياب دولة القانون والعدالة، وهى كلها أمور تعطل مسيرة التنمية الاقتصادية قبل السياسية.
على الرئيس وأجهزة الدولة ألا تتوقع مشهدا انتخابيا مغايرا للمشهد الحالى، وإذا أردنا إصلاحه بعد الانتخابات فلن يكون بتجميله إنما بتغييره، واستعادة مضامينه الصادقة والحقيقية، على يد دولة مازالت قادرة على أن تصلح نفسها من داخلها بعيدا عن صريخ المبايعين والمهللين.
نقًلا عن المصري اليوم