بقلم - عمرو الشوبكي
لم تُهزم المقاومة الفلسطينية فى حرب غزة، حتى لو لم تنتصر، فصمودها الكبير فى المعارك ونجاحها فى توجيه ضربات موجعة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلى، وآخرها كمين أمس فى خان يونس، يدل على أن أفكار منظومة التطرف فى إسرائيل بقيادة نتنياهو باجتثاث حماس أو القضاء عليها هى أوهام لن تحدث لأن هزيمتها فى المعركة أو حتى خروج قادتها من غزة لن يُنهى وجودها، الذى تستمده من حاضنة شعبية ترفض الاحتلال.
والمؤكد أن إسرائيل سيطرت على جانب كبير من الأنفاق، وقتلت مئات من عناصر حماس، بجانب عشرات الآلاف من المدنيين، إلا أن كل ذلك لا يعنى هزيمة المقاومة لأن الصمود ومنع العدو من تحقيق أهدافه قد يكون انتصارًا، فلا تزال قدرة فصائل المقاومة على منع دولة الاحتلال من تحقيق أهدافها قائمة، رغم الخسائر الكبيرة التى تعرضت لها، وحتى لو خسرت الحرب فإنها لن تخسر معركة مواصلة المقاومة بصور وأدوات جديدة حتى زوال الاحتلال.
المؤكد أن معادلة النصر أو الهزيمة فى معارك الجيوش واضحة، من حرب الحلفاء ضد دول المحور فى الحرب العالمية الثانية، مرورًا بحروب الجيوش العربية فى مواجهة إسرائيل وانتهاء بحرب روسيا ضد أوكرانيا، ولكن الأمر أشد تعقيدًا فى المعارك التى تدخل فيها الشعوب طرفًا فى المعارك عن طريق تقديم نماذج مقاومة مثلما جرى فى مصر والعالم العربى أثناء العدوان الثلاثى فى 1956 بصمود وانتصار الشعب، أو كما جرى فى تجارب التحرر الوطنى حين واجهت الشعوب القوى المحتلة بنضال شعبى أو مسلح كما حدث مع جبهة التحرير الوطنى الجزائرية أو المؤتمر الوطنى الإفريقى أو مع فصائل المقاومة الفلسطينية، التى حتى لو لم تربح معركة غزة إلا أن صمودها فى ظل تفاوت القوى الكبير بين الجانبين يُعد نصرًا.
أحد السيناريوهات المطروحة لوقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل الأسرى يطالب بخروج يحيى السنوار وقادة كتائب القسام من غزة، وهو سيناريو تفضله إسرائيل لأنها تريد أن تضعه فى صورة «الهارب»، الذى ورّط أهل غزة فى الحرب، فى حين أن القريبين من خط المقاومة حريصون على أن يبقى الرجل فى غزة حتى الرمق الأخير.
بقاء السنوار أو خروجه من غزة ليس الهدف، إنما بقاء مشروع المقاومة هو الهدف، وإذا كان ثمن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين هو خروج السنوار من غزة فليخرج، فقد خرج ياسر عرفات من بيروت عام ١٩٨٢، وعاد بعدها إلى الأراضى الفلسطينية محاولًا تأسيس دولة فلسطينية. خروج السنوار له بُعد رمزى ومعنوى مؤكد، ولكنه ليس كل الحرب ولا جوهر مشروع المقاومة، ولا يُفضل خروجه إلا إذا كان طريقًا أو وسيلة للاحتفاظ بقوة المقاومة وحقن دماء آلاف المدنيين الفلسطينيين