بقلم - عمرو الشوبكي
كانت البداية بالإفراج عن 41 محبوسًا في قضايا سياسية، ثم أعقبها إصدار الرئيس عفوًا عن أحد قيادات «التيار الشعبى»، وهو حسام مؤنس في القضية رقم 957 لسنة 2021، بعد أن قضى ثلاث سنوات من عمره وراء القضبان.
وقد أعاد النقاش الذي دار في إفطار العائلة المصرية فتح ملف حقوق الإنسان، خاصة بعد الحديث عن إطلاق حوار وطنى، وأعيد مرة أخرى طرح قضية الحبس الاحتياطى الذي تحول لعقوبة قاسية.
والحقيقة أنه مطلوب فتح الملف السياسى وملف الحريات في مصر بصورة شفافة وصريحة، خاصة في ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد، انطلاقًا من الواقع أو الحقائق على الأرض (The facts) أي أوضاع حقوق الإنسان الحقيقية، دون مبالغة أو إنكار ودون أي توظيف سياسى خارجى، حتى يمكن مواجهة أوجه القصور والسلبيات عبر تفاهمات وطنية داخلية.
والمؤكد أن مصر واجهت نوعين من التحديات؛ الأول مثَّل تهديدًا وجوديًّا للمجتمع والدولة طوال فترة محاربة الإرهاب منذ 2012 وحتى سنوات قليلة مضت، وهو تهديد نجحت الدولة في تجاوزه بكسر شوكة الإرهاب وجماعات التطرف، وسيطرتها على الملف الأمنى بشكل كامل. وكانت هناك مبررات قوية لمفاهيم الاصطفاف الوطنى وأولوية محاربة الإرهاب على الملف الحقوقى. أما التحدى الثانى فيتعلق بالأداء العام وبالأولويات السياسية والتنموية، وعدم وجود منظومة شفافة لمحاربة الفساد، ونقاط الضعف في الملف الحقوقى، وخاصة ما يتعلق بالمحبوسين احتياطيًّا في قضايا رأى أو «نشر أخبار كاذبة»، وهى كلها قضايا وملفات تحتاج لمراجعة جراحية شاملة.
والحقيقة أن التهديدات الوجودية التي واجهها الشعب المصرى وانتصر فيها كانت تتطلب منظومة حكم وإدارة صارمة، وفيها حضور قوى للخيارات الأمنية وحرص على الإجماع الوطنى، أما التحدى الثانى الحالى المتعلق بالأداء العام فهو يحتاج تنوعًا في الآراء وتعددًا في الرؤى، من أجل البحث عن أفضل الخيارات، ولا يمكن أن يبنى على رأى واحد أو تجاهل لإرادة الناس.
لا يمكن أن يكون التعامل مع تطوير حى أو أولويات التنمية الاقتصادية كما كنا نتعامل مع خطر الإرهاب والتطرف، ففى الأولى يجب أن يكون الناس شركاء في اتخاذ القرار، على عكس الثانية التي لم يشغل فيها أحد باله بالتنوع والشراكة؛ لأن هناك توافقًا تلقائيًّا في القضايا القومية الكبرى (كمحاربة الإرهاب) بين الغالبية العظمى من الشعب وحكامهم.
الملف السياسى بشكل عام، والحقوقى بشكل خاص، يحتاج إلى مراجعة عميقة لا تقوم فقط على أمور إجرائية (رغم أهميتها القصوى) بالإفراج عن مزيد من المحبوسين وإغلاق ملف الحبس الاحتياطى وتحسين ظروف المحبوسين، إنما أيضًا التأكيد على طبيعة التحديات التي تواجهها مصر في الفترة الحالية، وتتطلب مشاركة سياسية تقوم على احترام التعددية والمهنية وحقوق الإنسان.