بقلم - عمرو الشوبكي
مر ٧١ عامًا على قيام ثورة ٢٣ يوليو وبفضلها تأسس النظام الجمهورى وتحررت مصر من الاستعمار وقادت تجارب التحرر الوطنى في العالم العربى والعالم الثالث.
وقد تبنت ثورة يوليو وقائدها جمال عبدالناصر مشروع الوحدة العربية، ورفعت رايات القومية العربية من المحيط إلى الخليج، ومع ذلك فشلت تجربة الوحدة الوحيدة بين مصر وسوريا (١٩٥٨: ١٩٦١) ولم تنجح أي تجربة أخرى للوحدة العربية.
والحقيقة أن السؤال المطروح بعد مرور كل هذا السنوات لماذا تعثرت تجارب الوحدة العربية ونجحت تجربة الاتحاد الأوروبى مثلا؟.
الحقيقة أن نجاح التجربة الأوروبية يرجع أساسًا لكونها صنعت وحدتها عبر عملية تدرجية كما ذكر وزير الخارجية الفرنسية الراحل روبرت شومان أن «أوروبا لن تصنع بدفعة واحدة»، وببناء تكتل موحد، إنما من خلال إنجازات واقعية، تخلق أولًا «تضامن الواقع»، فالدول الأوروبية التي عادت لتحصل على سيادتها كاملة بعد الحرب العالمية الثانية، يجب ألا تتركها بصورة فورية لصالح وحدة فيدرالية أوروبية، إنما يجب أن تتعود على التخلى الطوعى عن بعض جوانب سيادتها في بعض القضايا.
وعليه لم يكن غريبًا أن تبدأ رحلة الوحدة الأوروبية من خلال التوقيع على اتفاقية الفحم والقصدير بين عدد من الدول الأوروبية في 18 إبريل 1951 في العاصمة الفرنسية باريس، وكان الهدف هو تسهيل الاستثمار في هذا المجال، وأيضًا حرية حركة رأس المال والعمالة لكى تعتاد الدول الأوروبية الثلاث التي وقعت على هذه الاتفاقية على الاستثمار المتبادل، وعلى الحركة الحرة لرأس المال، ثم تطورت بعد ذلك نحو الوحدة الاقتصادية والسياسية من خلال صيغة الاتحاد الأوروبى.
وقد انطلقت تجربة الاتحاد الأوروبى على عكس الخبرة التي راجت في العالم العربى في ستينيات القرن الماضى، من الواقع العملى، ولم ترفع شعارات «الأخوة الأوروبية» أو «المصير والتاريخ الأوروبى المشترك»، إنما اعترفت بأن بينها تباينات، واعتبرت أن التعامل الواقعى معها هو نقطة الانطلاق لتأسيس مشروع الوحدة الأوروبية.
مطلوب بعد مرور ٧١ عاما على قيام ثورة يوليو ٥٢، والتى كانت التجربة الأكثر إخلاصًا لقضية الوحدة العربية، أن تعرف أسباب عدم تحقق الوحدة ولو بالمعنى الأوروبى، وأيضًا أسباب فشل تجربة الوحدة اليتيمة التي تبنتها ثورة يوليو، وهى تجرية الوحدة المصرية السورية، فرغم اكتمال كثير من المعايير السياسية لهذه التجربة، ومنها الشعبية الهائلة لجمال عبدالناصر في مصر وسوريا، إلا أن تجاهلها لتفاصيل للواقع والتعامل مع الشعبين كأنهما شعب واحد وكيان واحد في أمة عربية واحدة جزأها الاستعمار، أدى بمشروع الوحدة أن يبدو وكأنه «قرار فوقى»، ما لبث أن انهار.
يحسب لثورة يوليو رفعها لشعار صحيح وهو الوحدة العربية، ولكن مطلوب الآن مراجعة ما جرى في الخبرة التاريخية واستخلاص العبر والدروس من أجل المستقبل