بقلم : عمرو الشوبكي
الصين ليست دولة ديمقراطية ولكنها دولة صناعية متقدمة واقتصادها من بين الستة الكبار، وتبنى مشروعها السياسى على العلم والمهنية ولغة الأرقام وحتى لو استخدمت الدعاية السياسية «والبروباجندا» لتغلف مشروعا له مضمون راسخ فى أرض الواقع. وقد نجحت الصين فى السيطرة على فيروس كورونا بعد أن أدارت معركة علمية وطبية على درجة كبيرة من الكفاءة والمهنية لم تخل من مناكفات سياسية مع أمريكا، ولا من انتقادات داخلية وخارجية لجانب من الأداء الحكومى المتعلق بالشفافية وبسرعة التحرك فى التعامل مع الفيروس. ومع ذلك يبقى أن ما قامت به الصين فى مواجهة الفيروس وحتى إعلانها «السيطرة عليه» عمل كبير وعملاق، خاصة مع الانتشار السريع للفيروس فى مدينة ووهان (يسكنها 11 مليون نسمة).
لم تنكر حكومة الحزب الواحد (الحزب الشيوعى الصينى) وجود المرض، بل تعاملت بشفافية مع أعداد المصابين الذين بلغوا حوالى 81 ألف شخص، كما أنها اعترفت بالأعداد الحقيقية لضحاياها (حوالى 3 آلاف ومائة وخمسين شخصا)، وتحدثت بدقة عن أعداد من تم شفاؤهم ومن ماتوا دون أى إنكار.
الإجراءات التى اتخذتها الحكومة الصينية حين بدأ الفيروس فى الانتشار فى مدينة ووهان كانت سريعة وفعالة وتعتبر من أول الدول التى طبقت إجراءات العزل على مدينة بأكملها، وهو ما كان محل انتقاد من بعض وسائل الإعلام الغربية التى عادت بعدها وأشادت بهذا الأسلوب بعد أن طبقته إيطاليا عقب انتشار الفيروس.
كبير مستشارى رئيس منظمة الصحة العالمية (بروس أيلوارد) اعتبر أن أداء الدول فى مواجهة الفيروس لا يقاس «إذا كانت ردودا ديمقراطية أو سلطوية»، وأن ما نتعلمه من الصين هو أن الأمر الرئيسى هو السرعة. «يمكنك السيطرة على أمراض الجهاز التنفسى، إذا تحركت بسرعة بالغة لاكتشاف الحالات وعزلها واكتشاف من تعاملوا معها عن قرب وعزلهم». وثمن الرجل جهود المواطنين الصينيين لمواجهة الفيروس واحتوائه، واعتبر أنهم لم يخشوا الحكومة إنما يخشون الفيروس ويخشون الإخفاق فى مكافحته.
الصين تحدثت عن الإشاعات وعن الحرب التجارية والبيولوجية مع أمريكا، ولكن كل ذلك كان فى الهوامش التى لم تجعلهم ينسون واجبهم الأساسى فى مواجهة الفيروس بالعلم والتخطيط والانضباط فى العمل وليس بالشعارات.
نحتاج فى مصر بعيدا عن شكل نظامنا السياسى أن ننشغل بالعلم والأرقام والشفافية وألا تعطى الحكومة انطباعا دائما بأن هناك حالة إنكار لخطر الفيروس، وأن تبدأ فى إجراءات وقاية حقيقية بعيدا عن الانشغال بالرد بالمثل على منع بعض الدول للمصريين من دخول أراضيها أو إصدار قوانين لمواجهة الشائعات التى تنمو فى ظل غياب المصارحة. مطلوب من الدولة تقديم بيانات يومية دقيقة ومفصلة وليس حوارات عبر برامج التوك شو، تحرف معانيها ورسائلها حسب الأهواء، حتى يتعامل الجميع بجدية مع خطر الفيروس.