بقلم : عمرو الشوبكي
عادة ما يعقب أي منافسة مصرية جزائرية مشاحنات وصلت لحدها الأقصى عقب مباراة أم درمان منذ عشر سنوات، ثم تراجعت طوال الفترة الماضية، حتى ظهرت مرة أخرى عقب حضور الجمهور الجزائرى إلى مصر، وظل كثير منها داخل الإطار المقبول، لأنه بجانب صوت محرض وكاره كان هناك عشرات العقلاء الذين رفضوا التعميم والاتهامات سابقة التجهيز.
والواقع أن جزءًا من سوء الفهم الذي يحدث بين بعض المواطنين المصريين والجزائريين (الأسوياء) يرجع إلى عدم معرفة بعضهم للآخر، لأنه جرت في مجتمعاتهما تغييرات عميقة، ولم تعد العناوين المعتادة، مثل دعم مصر عبدالناصر لنضال الشعب الجزائرى من أجل الاستقلال، أو دعم الجزائر لمصر عقب هزيمة 67 وفى انتصار 73، قادرة على الإجابة على التحديات المجتمعية الجديدة، لأننا أصبحنا أمام أجيال جديدة تَشكّل وعيها في عصر ما بعد التحرر الوطنى، وأصبحت تشاهد القنوات المفتوحة وتجلس على فيسبوك وتويتر أكثر مما تقرأ التاريخ أو حتى تسمعه.
ولعل هذا ما يجعل هناك أهمية أكبر لمعرفة جانب من الفروقات الاجتماعية بين المجتمعين وعدم الاكتفاء بترديد مآثر التاريخ.
يمكن القول إجمالا إن المجتمع الجزائرى أقل طبقية من المجتمع المصرى، فالإقطاع الذي ضرب في جذور المجتمع المصرى قرنًا ونصف القرن لم تعرفه الجزائر، إنما عرفت انقسامًا أساسيًّا بين أغلب الشعب الذي يناضل من أجل الاستقلال والتحرر وأقلية متعاونة مع الاحتلال، فلا يوجد هناك الباشا الوزير ولا البيه وكيل النيابة، ولا الباشمهندس والدكتور ومعاليك وسيادتك وحضرتك، كألقاب تعطى بحق وغير حق لأى صاحب حظوة أو نفوذ في مصر. إن أستاذ الجامعة في الجزائر إذا كان شابًا ينادى عليه باسمه وإذا كان كبيرا يقال له أستاذ أو اللفظ الفرنسى Monsieur.
لذا فإن المجتمع الجزائرى يبدى عادة حساسية مبالغًا فيها تجاه أي سلوك يبدو منه أن فيه قدرًا من التعالى، ولذا ستجد كثيرًا منهم لا يرتاح لخطاب الشقيقة الكبرى السائد في مصر والإصرار على حديث الريادة والقيادة الذي لم يعد مجديًا في الوقت الحالى.
ولعل هذا ما يفسر حرص بعض المصريين على اعتبار الإشادة بهم هدفًا في حد ذاتها (وهذا ربما يفسر غضبهم من المدرب الجزائرى)، على اعتبار أننا كنا الدولة الرائدة في المنطقة فعلًا وليس قولًا.
في مصر إرث مجتمعى يَعتبر أننا أُمّ الدنيا والدولة الأهم والأعرق تاريخًا وحضارة، يقابله في الجزائر إرث مجتمعى يرى أنه الشعب العربى الوحيد الذي حارب بحق ودفع ثمنًا لم تدفعه أي دولة عربية أخرى. والحل ليس دروسًا في الزعامة والاستعلاء، إنما إحلال ثقافة جديدة تقوم على احترام القانون ومعاقبة الفرد المخطئ، لا الشعب الذي نادرًا ما يخطئ.