بقلم : عمرو الشوبكي
جاء فوز مرشح حزب الشعب الجمهورى (الحزب المدنى المعارض لأردوغان) أكرم إمام أوغلو ليعلن انتصار الشعب التركى على حزب أردوغان الذى قرر أن يعيد انتخابات المدينة مرة أخرى بحجة وجود تلاعب فى الانتخابات السابقة، فجاء رد الشعب التركى بإعطاء مزيد من الأصوات إلى أوغلو حين أعطاه نسبة 54% من أصوات الناخبين بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع، بفارق 7% عن منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم يلدريم، الذى نال حوالى 45% من أصوات الناخبين، وحقق بذلك تقدما بأكثر من 775 ألف صوت مقارنة بالانتخابات الماضية عندما فاز بفارق 13 ألف صوت فقط.
والمؤكد أن التجربة السياسية التركية تتسم بقدر من الحيوية لأنها أرست بفضل مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك الأساس لدولة قانون، صحيح أنها لم تكن ديمقراطية معظم الوقت إلا أنها حافظت على منظومة قيم منها علمانية الدولة واحترام الأخيرة للقواعد التى تضعها لنفسها ومنها عدم تزوير الانتخابات.
ولم يسمح النظام العلمانى التركى للقوى الإسلامية بالتواجد السياسى الشرعى، وفى حال نجاحها فى التحايل على النظام ووصولها للسلطة (فى بعض الأحيان كانت قوى محافظة دينيًا وليست إسلامية) كان الجيش ينقلب عليها بمقتضى نص سابق فى الدستور التركى يعطيه حق التدخل من أجل الحفاظ على علمانية الدولة.
هذا الإرث وهذه التقاليد التى عرفتها الدولة التركية بالإضافة لحيوية الشعب التركى وضعت قيودا على تحركات أردوغان فالرجل لم يستطع أن يشطب المعارضة من المعادلة السياسية التى قدمت بدورها مرشحا آخر فى انتخابات الرئاسة حصل على 37% من أصوات الناخبين (وليس 1 أو 2%)، وعادت مرة أخرى وخاضت تجربة المحليات وانتصرت على حزب أردوغان فى العواصم والمدن والكبرى.
ورغم محاولات أردوغان المتعددة الالتفاف على تجربة الديمقراطية المقيدة التى تعيشها تركيا وممارساته الكثيرة التى فرضت قيودا على حرية الرأى والتعبير واعتقاله آلاف المعارضين السياسيين، وحتى الجماعة الدينية ذات الأنشطة المدنية التى دعمته فى البداية وأوصلته للسلطة (جماعة الخدمة برئاسة فتح الله جولن) صنفها جماعة انقلابية إرهابية ووضع كثيرا من أعضائها فى السجون بجانب آلاف الصحفيين والأكاديميين ورجال من الجيش والشرطة.
يقينا أردوغان لم يعد ديمقراطيا ولا إصلاحيا على عكس بداياته فى 2002 وهذه نتيجة منطقية لمن يبقى فى السلطة 18 عاما ويخطط لكى يبقى فيها إلى الأبد.
الرسالة الكبرى التى يمكن أن تقدمها الخبرة السياسية التركية لدول المنطقة والعالم فى حال خسارة أردوغان للانتخابات الرئاسية القادمة أن الاستقطاب الذى تشهده المنطقة يمكن حسمه بالديمقراطية بشرط أن يكون الطرف المحافظ أو الدينى يمثله حزب سياسى مدنى وليس جماعة دينية عقائدية مثل الإخوان وأخواتها، وأن تكون هناك دولة قانون تعطى مساحة للتنافس السياسى.