بقلم:عمرو الشوبكي
وجهت إسرائيل سلسلة ضربات موجعة لحزب الله، بدأتها باختراق شبكات اتصالاته عبر البيجر واللاسلكى، ثم اغتالت ١٦ عنصرًا من الحزب، وعلى رأسهم إبراهيم عقيل، قائد فرقة الرضوان، ثم عادت واستهدفت قرى الجنوب والضاحية الجنوبية، وخلفت أمس الأول فقط نحو ٥٠٠ شهيد سقطوا بفعل الغارات الإسرائيلية.
والحقيقة أن ما سبق وأشرنا إليه على صفحات «المصرى اليوم» (مقال الخوف على لبنان فى ٢٣/٧ ٢٠٢٤)، توقعنا فيه ما يجرى اليوم، رغم خلاف بعض الأصدقاء اللبنانيين وتقديرهم أن إسرائيل لن توسع من هجماتها على لبنان، أو أن حزب الله يمتلك قدرات ردع، فى حين أن تقديرنا كان يقول إن إسرائيل لن تكتفى باستهداف حزب الله كما فعلت وتفعل وستفعل، «إنما ستستبيح مناطق وأحياءً مدنية كثيرة، وستضرب بقسوة مناطق شيعية تمثل حاضنة شعبية لحزب الله؛ لأن معركة إسرائيل فى لبنان ستكون فى أعقاب عجز كل المحاولات الشعبية والرسمية ومؤسسات الشرعية الدولية عن منع إسرائيل من استهداف المدنيين فى غزة، وثبت بالصوت والصورة أنها دولة محصنة فوق القانون والشرعية الدولية».
ما تقوم به إسرائيل لا يختلف إلا فى الدرجة عما قامت به فى غزة، فهى تستهدف المدنيين بغرض أن «يكفُروا» بحماس ويقولوا إنها هى سبب المصائب والويلات التى حلت بهم وليس دولة الاحتلال، وهم يفعلون نفس الشىء بصورة مخففة فى لبنان بغرض دفع المناطق الداعمة لحزب الله إلى التخلى عن هذا الدعم، وهى تنسى أو تتناسى أن هذا الاستهداف سيخلق حالة غضب ضد حزب الله وسيحمّله الكثيرون مسؤولية ويلات أى حرب، ولكنهم سيعودون مع جيل جديد لكى ينخرطوا فى تنظيمات الثأر من إسرائيل، لأن نتائج هذا النوع من جرائم استهداف المدنيين معروفة، والعنف فيها يولِّد، بعد فترة قصيرة، دورة جديدة من العنف، ومع ذلك قد تكررها إسرائيل لأنها أصبحت فى وضع استثنائى لا يردعه أحد.
صحيح أن الغالبية العظمى من اللبنانيين لا يرغبون فى الدخول فى حرب مع إسرائيل، كما أن هناك تيارًا يعتد به داخل البيئة الشيعية الحاضنة لحزب الله لا يرغب فى الدخول فى حرب تدمر فيها قرى الجنوب وتهدم الضاحية الجنوبية ويضاف آلاف الشهداء المدنيين إلى مسلسل الشهداء فى فلسطين، أما إيران فلازالت حتى الآن غير راغبة فى حرب شاملة مع الدولة العبرية، بما يعنى أنه لا يوجد ردع عسكرى وسياسى قوى فى مواجهة إسرائيل.
استهداف لبنان، وخاصة حاضنة حزب الله الشعبية، سيخصم من رصيد الحزب وسط أنصاره من أبناء الطائفة الشيعية، كما أنه سيدفعه سريعًا لقبول الابتعاد عن الحدود الإسرائيلية والعودة إلى جنوب نهر الليطانى.. وأخيرًا سيحتاج الحزب فى المستقبل المنظور لمراجعة جراحية لكثير من ممارساته السابقة، وخاصة تورطه بشكل فج فى الحرب السورية.