بقلم: عمرو الشوبكي
كررت الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة أنها تنوى تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين وإيجاد فرص عمل فى إسرائيل، ثم سمحت لهم أمس الأول بالسفر من مطار فى صحراء النقب، ولكنها فى نفس الوقت استباحت الأراضى الفلسطينية وأغلقت مقار منظمات حقوقية فى الضفة الغربية دون أى اعتبار للسلطة الفلسطينية.
أما قطاع غزة فقد حاصرته ودخلت فى ١٠ مواجهات مسلحة مع الفصائل الفلسطينية منذ انسحابها فى ٢٠٠٥، لم تفرق فيها بين مدنيين وعسكريين وبين مقاتلين وأطفال.
والحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لم تتحدث ولو سهوًا عن دولة فلسطينية مستقلة مثل سابقتها الأكثر تشددًا (حكومة الليكود) حتى لو أبدت ليونة فى الحديث عن تحسين بعض الأمور الحياتية للفلسطينيين.
والحقيقة أن عدم وجود أى أفق سياسى أو تنموى لأكثر من ٢ مليون فلسطينى فى غزة تعمق إسرائيل انفصالهم عن الضفة الغربية يصعب من مهمة بناء الدولة الفلسطينية، كما أن هناك ٣ ملايين شخص يعيشون فى الضفة الغربية منهم ما يقرب من نصف مليون إسرائيلى يعيشون فى مستوطنات منفصلة يحميها الجيش ويحظر على الفلسطينيين دخولها، وصارت تفصل المدن والبلدات الفلسطينية عن بعضها، وجعلت أيضًا فرص بناء الدولة الفلسطينية شبه مستحيلة.
ومع ذلك ظل حل الدولتين أساس التسوية منذ هزيمة 67 وعقب انتصار أكتوبر 73، وظل حاضرًا عقب توقيع الرئيس السادات على اتفاق سلام مع إسرائيل، كما بقى هو أساس اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل والخطاب المعتمد حتى اللحظة للسلطة الفلسطينية والجامعة العربية والمجتمع الدولى.
صحيح أن هناك أسبابًا أخرى لتراجع القدرة على تحقيق هدف بناء الدولة الفلسطينية، منها بالطبع السياسات الاستيطانية للدولة العبرية والحصانة الدولية التى تعطيها لها الولايات المتحدة، ولكن أيضًا الضعف العربى، والانقسام الفلسطينى الذى بات عنوانه سلطة فى الضفة الغربية تسيطر إداريًا على بعض مدنها دون أن تتمتع بأى سيادة وتعانى من ضعف كبير، وأخرى فى غزة ارتاحت للسيطرة على القطاع كـ«إمارة إسلامية».
والحقيقة أن حل الدولتين بات من الناحية العملية شديد الصعوبة، إلا أن السؤال هل بات من الأجدى أن يطرح الفلسطينيون شعار الدولة المدنية الواحدة فى كل فلسطين والتى يعيش عليها العرب واليهود، كهدف نهائى للنضال الفلسطينى حتى لو كان أيضًا هدفًا صعب التحقيق بدلًا من حل الدولتين الذى بات أكثر صعوبة؟
انتفاضات عرب الداخل الذين يشكلون ٢٠٪ من سكان إسرائيل، هم بحكم المصلحة والواقع من سيعملون على إحياء مشروع الدولة المدنية الواحدة، دولة العدل والقانون، وستبقى قدرتهم على خلق تعاطف فى داخل فلسطين وخارجها ومع قوى عالمية كثيرة من أجل الدفاع عن الدولة المدنية الواحدة باعتباره حق شعب مضطهد يطالب بالمساواة وبدولة قانون عادلة أكبر بكثير من الجميع.