بقلم : عمرو الشوبكي
عملية سيناء الأخيرة مؤلمة على النفس، وقدمت رسائل للمجتمع تقول إننا لم ننتصر بعد على الإرهاب وأن الحرب مازالت مستمرة حتى ندحض الفكرة الإرهابية قبل تصفية الإرهابيين.
ومع كل حادثة إرهابية تبدأ نوعية من الإعلام فى تكرار المطالبة بإخلاء سيناء من السكان، ونسى هؤلاء الجهلة أو تناسوا أن أكبر انتصار للإرهاب هو فى إخلاء المناطق لا تعميرها وملئها بالبشر وهى عكس ما تتحدث عنه الدولة عن ضرورة تعمير سيناء وربطها بالدلتا وباقى المدن المصرية عبر أنفاق.
يقينا مواجهة الإرهاب لن تكون بالشعارات ولا بالأغانى الوطنية إنما بسياسات جديدة تبحث فى الأسباب الاجتماعية والسياسية التى تقف وراء الإرهاب ولا تكتفى فقط بالجوانب الدينية والعقائدية التى تراجعت أمام روايات الانتقام والثأر السياسى من الدولة.
إن معركة مصر ضد الإرهاب ليست فقط مع التنظيمات الإجرامية التى ترفع السلاح وتروع الأبرياء وتقتل رجال الجيش والشرطة، إنما مع البيئة الاجتماعية والسياسية المحيطة التى جعلت وجودها واقعا حقيقيا، وهذه البيئة قد تكون مظالم سياسية أو مجتمعية أو علاقة ثأرية مع الدولة أو تضامنا قبليا وعائليا أو تضررا اقتصاديا أو قريبا قتل دون أن يعوض أهله، أو أوضاعا إنسانية صعبة يعيشها الكثيرون، خاصة فى سيناء، كل هذه الجوانب لابد من فتحها ومناقشتها ولدينا القدرة على فعل ذلك وتحقيق تقدم يغير من الواقع.
التركيز على أن المشكلة فى تفسيرات دينية متطرفة تخفى حقيقة الأبعاد المركبة للإرهاب الجديد التى باتت تشمل أبعادا سياسية واقتصادية وعالمية فلم تعد هى التنظيمات المحلية التى عرفتها مصر فى السبعينيات والثمانينيات مثل الجهاد والجماعة الإسلامية، إنما صارت تنظيمات عالمية عابرة للدول والحدود.
النصوص الدينية لا تصنع فى أى مكان عنفا أو إرهابا، إنما الوسيط البشرى الذى ينهل منها ويفسرها نتيجة ظروفه الاجتماعية والسياسية هو الذى يصنع هذا الإرهاب.
لماذا لم يفرز النص الدينى الموجود معنا منذ قرون تكفيريين فى العالمين العربى والإسلامى طوال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى مثلا؟ فلم يكن هناك تنظيم القاعدة ولا داعش رغم أننا كنا بلادا محتلة، وكان من يقود التحرر الوطنى فى بلادنا هى جماعات وطنية وليست جماعات دينية أو إخوانية أو داعشية.
النصوص الدينية لا تصنع عنفا ولا إرهابا إنما هى مثل البنزين لن يشتعل إلا إذا ألقى فيه عود ثقاب وهذا هو الواقع الاجتماعى والسياسى الذى يدفع البعض إلى تفسيرات متطرفة أو معتدلة تبعا لهذا الواقع.
الانتصار على الإرهاب سيبدأ حين يتم التمييز بين الواقع الاجتماعى والسياسى الذى يفرز الإرهابيين، وهنا يجب أن يتم التعامل معه برؤى سياسية واجتماعية، وبين التنظيمات الإرهابية المسلحة التى ستواجه أساسا بالأدوات الأمنية.
رحم الله شهداء سيناء والوطن.