بقلم : عمرو الشوبكي
كما يقال أحيانا فى اللهجة المصرية «التالتة تابتة» فقد لاحت فى الأفق فرصة ثالثة فى السودان من أجل بناء دولة قانون وانتقال ديمقراطى، بعد أن أخفقت فرصتان سابقتان، رغم مخاطر الفرصة الثالثة وصعوبتها.
والحقيقة أن الفرصة الأولى ضاعت حين أصرت قوى الثورة فى السودان على نظرية «تسقط بس»، ورفضت تركيز جهودها على ضمان تنحى البشير عن السلطة فى فبراير المقبل واحترام المسار الدستورى بعد أن أعلن تراجعه عن تعديل الدستور ومد بقائه فى السلطة لمدد أخرى.
أما الفرصة الثانية فجاءت عقب نجاح الثورة السودانية فى إسقاط البشير وتم إهدارها عقب فشل المفاوضات التى جرت بين المجلس العسكرى وقادة قوى الحرية والتغيير، حول نسب التمثيل فى المجلس السيادى بين المدنيين والعسكريين، وهنا وقعت قوى التغيير فى خطأ قاتل حين أصرت على تطويل المرحلة الانتقالية إلى 4 سنوات (قلصها المجلس العسكرى إلى 3 سنوات).
إن وجود مسار انتقالى مدته ثلاث سنوات خيار كارثى على السودان وعلى قوى التغيير، فمن ناحية هو يخلق سلطة ضعيفة منقسمة على ذاتها تتعارض فيها مراكز القوى وتقضى معظم وقتها فى عراك داخلى (دون سلطة فض المجلس العسكرى اعتصاما سلميا سقط فيه 100 قتيل)، فى ظل غياب سلطة مركزية منتخبة قادرة على الإنجاز ويحاسبها الشعب.
هل يتخيل قادة الحرية والتغيير أن من سيُختارون لدخول الوزارة أو البرلمان أو المجلس السيادى لن يثيروا حفيظة الآخرين الذين لم يمثلوا فى هذه المجالس وسنسمع عن اتهامات متبادلة (ترددت بقوة طوال الفترة الماضية) عن هذا الشخص أو ذلك التيار الذى باع الثورة أو تحالف مع المجلس العسكرى وغيرها من الاتهامات التى تعرفها التيارات المدنية.
هذه الحالة لن تستمر 3 سنوات إنما فى خلال أشهر قليلة ستجد قوى التغيير نفسها محاصرة من أغلب الشعب، الذى سيطالب بحكم «رجل النظام العام» أو بتدخل الجيش لعودة الأمن والاستقرار للبلاد.
لقد ضاعت الفرصة الثانية لعدم التوافق على «رجل جسر» بين النظامين القديم والجديد يُنتخب من الشعب بعد عام على الأكثر وليس فترة انتقالية ثلاث سنوات.
أما الفرصة الثالثة فلاحت عقب نجاح دعوة قوى الحرية والتغيير فى العصيان المدنى أمس، وهو ما يمكن أن يمثل ورقة ضغط قوية على المجلس العسكرى فى أى مفاوضات قادمة بين الطرفين دون إنكار لمخاطر الفوضى والمواجهات الأهلية.
الشارع ورقة ضغط فى كل بلاد العالم، وهو الذى أسقط البشير وغيره من الحكام المستبدين، ولكنه لا يكفى وحده، فالمطلوب مسار انتقالى آمن وناجح فى بلد يعانى من ضعف مؤسساته بما فيها جيشه، ومن خطر الانقسامات التى تهدد كيان دولته بعد أن عانت 30 عاما من تجريف وتخريب وأخونة.