بقلم : عمرو الشوبكي
كثير من المشاهد التى يراها الناس فى السودان (مع جانب من مشاهد الجزائر) سبق أن شاهدها الناس فى مصر، حتى بدت أحيانا وكأنها «Copy paste» مما جرى عقب ثورة يناير.
لقد شاهد الناس مجلسًا عسكريًّا يمتلك رصيدًا شعبيًّا، خاصة لدى قوى الاستقرار والقوى التقليدية، وهو رصيد عادةً لا تراه القوى المدنية والثورية التى تتصور أنها بمفردها صاحبة الشرعية.. صحيح أنها تمثل القوى الأكثر تعليمًا وحداثة ولديها شرعية إطلاق الثورة والدفاع عن قيم دولة القانون المدنية والديمقراطية، ولكنها لن تستطيع الفوز فى أول انتخابات بعد التغيير حتى لو استمرت الفترة الانتقالية 3 سنوات.
المطالبة بإسقاط الدستور القائم لا تعديله فى السودان هو مشهد مصرى بامتياز حين رفضت معظم القوى المدنية والثورية تعديل دستور 71 وطالبت بإسقاطه بدلا من تعديله وإعمال نصوصه.
أما خناقة الثوار والإصلاحيين والمزايدين والفلول، فشهدتها مصر على مدار عامين، وتكررت فى السودان، وفتحت الباب أمام قراءات خاطئة لما جرى فى مصر، حين اعتبرت أن تعثرها بسبب أنها لم تكن جذرية ولم تقص كل رموز النظام القديم ودولته ومؤسساته، والحقيقة أن العكس هو الصحيح، فخطأ الثورة المصرية أنها لم تكن إصلاحية بما فيه الكفاية،ورفعت شعارات ثورية لم تكن هناك قوى اجتماعية واسعة تتبناها على الأرض، وافترضت أن ميادين التحرير هى أغلب مصر وهو غير صحيح، فى حين أن أغلبها اعتبر أن المجلس العسكرى قادر على إدارة المرحلة الانتقالية، وأن طموحها كان التخلص من التوريث وإنهاء حكم رئيس استمر 30 عاما، وليس إسقاط الدولة ومؤسساتها التى لم يعتبروها جزءًا من النظام القديم يجب هدمه، إنما إصلاحه. لكى تنجح تجربة السودان، عليها ألا تختزل أهداف الثورة فى الاعتصام والعصيان المدنى، إنما هى وسيلة لتحقيق أهدافها فى بناء دولة القانون، وتقديم برنامج لإصلاح سياسى متدرج بالشراكة مع المؤسسة العسكرية وجزء من الدولة القديمة. أما مشهد محاكمة البشير بسبب قضايا فساد (تجارة عملة فى السودان وقصور رئاسية فى مصر) هو مشهد رآه المصريون عقب ثورة يناير حين شهدوا محاكمة مبارك فى قضايا فساد حكم عليه فى ظل مرحلة الزخم الثورى بالسجن 25 عاما، ثم تم نقض الحكم وحصل على البراءة وأدين فقط فى قضية فساد.
البشير أصبح ماضيًا، والإمعان فى معارك الماضى يضر بالمستقبل حتى لا يأتى اليوم ويترحم الناس على هذا الماضى.
يحتاج السودان لجهد الجميع لكى يخرج من أزمته، والبداية ستكون بمحاسبة المسؤولين عن جريمة فض اعتصام القيادة العامة، حتى يفتح الطريق لشراكة بين القوى المدنية والجيش (وليست ميليشيات الدعم السريع) تعمل على وضع البلاد على طريق الانتقال الديمقراطى ودولة القانون، حتى نقول «إن التكرار يعلم الشطار».