بقلم : عمرو الشوبكي
حاول إيران أن تحيد الورقة الأوروبية في صراعها مع أميركا بعد أن تمسكت الأخيرة بالاتفاق النووى مع إيران ورفضت أن تسير خلف أمريكا بالانسحاب منه.
وتعد إيران من النظم القليلة في العالم التي تمتلك أوجهًا سياسية متناقضة، فهناك وجه جواد ظريف المعتدل، الذي يعرف كيف يتحدث مع الغرب وأوروبا ويؤثر فيهم، وهناك الحرس الثورى الذي يمثل الوجه الخشن للسياسة الإيرانية ويقوده المرشد الأعلى الذي يسيطر على مفاصل الدولة وله حق الفيتو على القرار السياسى رغم وجود رئيس وبرلمان منتخب.
والحقيقة أن إيران هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها أوراق سلم وحرب، وبالتأكيد فإن أوروبا هي ورقة السلم وحزب الله والحوثيين والحشد الشعبى هي أوراق الحرب. وقد عرفت إيران عقب ثورتها الإسلامية عام 1979 أذرعًا ثورية حاولت من خلالها تصدير الثورة إلى باقى دول المنطقة وفشلت، ولكن سرعان ما تراجعت واقتصرت تقريبا على دعم موسمى لحركة حماس الفلسطينية، وأصبحت الذراع الشيعية والمذهبية هي الحارسة لطموحات إيران الإقليمية ولمشروعها النووى وسياستها التوسعية. خسرت إيران أوراقها في دول الخليج وخسرت حياد أمريكا، ولكنها مازالت تحاول الالتفاف على الحصار الأمريكى عن طريق الورقة الأوروبية وذلك بوضع مجموعة من الاتفاقات تخفف من قسوة الحصار الأمريكى. البعض يتصور أن القنوات المفتوحة بين أوروبا وإيران ترجع إلى وجود مؤامرة كونية على العرب أبطالها كل دول العالم تقريبًا، وعلى رأسها إيران، وهناك من يتصور أن الحسابات المركبة التي تحكم أي عمل عسكرى أمريكى ضد إيران ترجع إلى تحالف سرى بين الجانبين يستهدف العرب دون غيرهم من دول العالم.
والحقيقة أن العالم كله يحسب بالورقة والقلم نتائج أي مواجهة عسكرية مع إيران ليس بسبب نظرية المؤامرة إنما ببساطة بسبب قوة أوراق إيران وقدرتها على إيذاء المصالح الأمريكية في المنطقة.
ورغم قسوة الحصار إلا أن إيران تجيد جمع الأوراق الإقليمية، على عكس صدام حسين حين خسر كل أوراقه/ جيرانه عقب غزوه للكويت وأصبح لقمة سائغة في أيدى القوات الأمريكية، فهى تملك أوراقا مؤثرة في 4 دول عربية رئيسية، هي سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتحاول أن تضيف ورقة «سلمية» جديدة وهى الورقة الأوروبية.
أوروبا عادة لا تقلب التوازنات الدولية والعسكرية، ولكنها تستطيع أن تخفف من حدتها، ففى حال غياب قرار استراتيجى أمريكى بالحرب على إيران (مثل ما جرى في العراق) فأوروبا تستطيع أن تدعم هذا التوجه، ولكنها لن تستطيع إيقافه في حال إذا قررت أمريكا الحرب، كما أن أوروبا لن تستطيع وقف الحصار والمقاطعة الأمريكية على إيران إنما تستطيع فقط أن تخفف منها. وهى بذلك تظل ورقة مهمة حتى لو لم تستطع أن تغير جذريًا في المعادلات السائدة.