بقلم : عمرو الشوبكي
مثلما يوجد توازن ضعف يساهم فى تسكين الأوضاع وبقائها على حالها، هناك أيضا توازن قوة يساعد على استقرار الأوضاع وتسكينها، حتى لو سعى كل طرف لتغيير هذه المعادلة ويضع الطرف الآخر فى موضع ضعف حتى يفرض شروطه عليه.
والحقيقة أن معادلة توازن القوة هى التى تحكم علاقة إسرائيل بإيران وذراعها الأهم حزب الله، وصحيح أن الأولى حاولت- ولاتزال تحاول- أن تضع الحزب فى معادلة ضعف حتى تستطيع الانقضاض عليه، خاصة بعد الضربات القوية التى وجهتها له فى حرب 2006 وأخرجته من صيغة الحزب المقاوم وأدخلته فى معادلة الميليشيا المسلحة، وجعلت حدوده مع إسرائيل مثل باقى الحدود العربية.
ورغم تحول حزب الله إلى ذراع إيرانية فى المنطقة يحارب فى سوريا والعراق، ويرسل خبراء للحوثيين فى اليمن، ويرد بشكل محدود على هجمات إسرائيل، ومع ذلك ظل طرفا قويا فى معادلة الردع مع إسرائيل، فلولا هذه القوة ولولا معرفة إسرائيل بأن هناك ثمنا ستدفعه فى حال أقدمت على هجوم واسع ضد الحزب لكانت وسعت من عملياتها وشنت هجوما شاملا على لبنان.
والحقيقة أن إسرائيل مثل أمريكا تحسب بالورقة والقلم نتائج أى مواجهة عسكرية مع إيران وأذرعها، ليس بسبب أى نظرية تآمرية، ولا بسبب تحالف سرى بين الجانبين ضد العرب، إنما لقوة أوراق إيران وقدرتها على إيذاء المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة.
والحقيقة أن أى مقارنة بين القرار الأمريكى بضرب العراق فى 1990 و2003، والقرار الإسرائيلى بضرب بلبنان وحزب الله فى 2006، وبين تردد الاثنين حاليا فى الدخول فى حرب ضد إيران وحزب الله يعنى أنهما يحسبان جيدا الأوراق التى تمتلكها إيران فى المنطقة، والتى أصبحت لها أذرع مؤثرة فى 4 دول عربية رئيسية، هى سوريا والعراق ولبنان واليمن، كما أن حزب الله نجح فى ربط هيمنته على القرار السياسى والعسكرى فى لبنان بالحفاظ على السلم الأهلى فى البلد، وذلك بنسج تحالفات لبنانية داخلية لم تستطع السعودية ودول الخليج إقامتها رغم إمكاناتها الكبيرة، والأموال الطائلة التى أنفقتها داخل الساحة اللبنانية. فحزب الله دعم رئيس جمهورية مارونيًا قريبًا من خطه، وهو الرئيس ميشيل عون، كما جعل قيادة الجيش اللبنانى فى وضع إما محايدا أو داعما لحزب الله، ولو «بغض البصر» عن عمليات تهريب السلاح للحزب وعدم ضبط الحدود.
يقينًا تراجع إسرائيل وحزب الله عن الدخول فى مواجهة مسلحة شاملة (وارد مواجهة محدودة أخرى) رغم العداء بين مشروع إيران وأذرعها وإسرائيل، يرجع لتوازن قوة بين الجانبين جعل الوضع على ما هو عليه حتى إشعار آخر.