بقلم : عمرو الشوبكي
عادة ما تحاول النظم السياسية على خلاف توجهاتها أن تخرج التفاعلات المخفية إلى حيز النور حتى يمكنها التعامل معها بطرق مختلفة، بعضها يسمح لها بهامش للفعل والحركة، وبعضها الآخر يضمن لها تداولا سلميا للسلطة بالآليات الديمقراطية.
والحقيقة أن هناك أصواتًا لو حجبت عن العلن فهى موجودة فى الواقع، وهى ما تعرف فى البلاد الديمقراطية بالرأى العام، ويمكن وصفها فى بلادنا بالتفاعلات غير المرئية أو المخفية، وفى ظل الأوضاع السياسية الحالية أصبحت غالبيتها العظمى بعيدة عن الأحزاب والمؤسسات السياسية، بل حتى عن تأثير وسائل الإعلام «المعتمدة».
هذه التفاعلات لم يعد يؤثر فيها وسيط سياسى ولا يؤطرها وسيط حزبى مؤيد أو معارض، وهى مواقف فطرية وتلقائية لا يمكن التحكم فيها بإعلام موجه، إنما هى رد فعل على واقع معاش.
والحقيقة أن هذه التفاعلات عادة ما تحرص النظم السياسية المختلفة على نقل جانب منها إلى النور، بما فيها نظم الحزب الواحد غير الديمقراطية، فعلى سبيل المثال بلد مثل الصين يحكمه الحزب الشيوعى يضم حاليا حوالى 90 مليون عضو، أى أكثر من 5% من عدد السكان، وهو بذلك يعد أكبر حزب سياسى فى العالم، ويناقش معظم القضايا التفصيلية ويعدل فى بعضها دون أن يمتلك القدرة على تغيير ثوابت النظام.
ويمكن العودة أيضا فى السياق المصرى لكتاب الأستاذ والمناضل النزيه عبدالغفار شكر عن منظمة الشباب الاشتراكى (تجربة مصرية فى إعداد القيادات 1963 إلى 1976) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، ويدل على أن إدارة البلد والمنظمة لم تكن عشوائية ولا أمنية (رغم وجود الاثنين) إنما كانت بالأساس سياسية.
نظام الحزب الواحد فى مصر، كما فى باقى دول العالم، كانت له أصول وقواعد (رغم أنه أصبح جزءًا من الماضى) وهو يعنى قدرة السياسة على دمج أغلب الناس فى العملية السياسية وفى داخل النظام الشرعى الذى يحكم البلاد عبر أدوات شعبية وحزبية ومنظمات أهلية حقيقية تمثل رابطًا بين النظام القائم والشعب.
لم يحدث فى تاريخ النظم السياسية أن غاب الوسيط السياسى، أيًا كان شكله، أو الوسيط الأهلى من نقابات وروابط شعبية ومجتمع مدنى أو إعلام مؤثر، وفى حال إضعاف هذه الوسائط يصبح هناك خطر كبير أن تقفز فى وجوه الجميع تفاعلات كثيرة مخفية.
على الجميع، مؤيدين ومعارضين، أن يتأملوا تأثير الفيديوهات والبرامج التى تبث من خارج الحدود، بعيدًا عن موقف الدولة منها أو رفض البعض لها أو توظيف البعض الثالث لما جاء فيها، لنعرف هل نحن فى وضع صحى؟ ولو كنا نشهد نقاشًا عامًا حقيقيًا وإعلامًا مؤثرًا وهامشًا معتبرًا للأحزاب المدنية، ونسمح لشخصيات علمية بمناقشة ولو فنية للمشاريع المطروحة لكان بالحتم تأثير هذه الفيديوهات سيصبح محدودًا جدًا.