بقلم : عمرو الشوبكي
الجدل حول احترام حقوق الإنسان فى مجتمع يعانى من الإرهاب مازال محور النقاش فى الغرب والشرق، وبدا واضحا أن هناك تيارا متصاعدا فى الأوساط العلمية والسياسية الأوروبية يرى أنه يمكن فرض بعض القيود على حقوق الإنسان فى حال تعرض أى مجتمع لتهديدات إرهابية خطيرة.
والمؤكد أن كثيرا من البلاد الأوروبية اتخذت إجراءات استثنائية، بعد أن تعرضت لهجمات إرهابية خلفت مئات الضحايا وفرضت قيودا على حرية تداول المعلومات وعلى الصحافة والإعلام حتى مست جانبا من حقوق الإنسان، وخاصة تجاه العناصر المعروفة بتطرفها واستعدادها لممارسة العنف.
وقد اتخذت فرنسا إجراءات استثنائية فى مواجهة الإرهاب الذى ضربها عام 2016 من أجل حماية مواطنيها وأمنها القومى، وفعلت أمريكا ما هو أكثر عقب اعتداءات 11 سبتمبر من إجراءات استثنائية وملاحقات أمنية، وكذلك فعلت بريطانيا وإن بصورة أقل نظرا لأن ما تعرضت له ظل أقل من فرنسا وأمريكا، وبقى فى معظمه تحت وطأة حوادث الدهس والدهس المضاد.
وفى ظل هذه الظروف وسعت هذه البلاد دائرة حصار العناصر المتعاطفة مع الإرهاب، دون أن يقوم مثلا الرئيس الفرنسى السابق هولاند باعتقال معارضيه من أهل اليمين تحت حجة محاربة الإرهاب، أو قام ترامب باعتقال معارضيه من أهل اليسار لأنه يكره المتشددين الإسلاميين، إنما كانت المعركة محددة مع العناصر المتطرفة والعنيفة.
والحقيقة أن الحرب على الإرهاب تعنى كفاءة فى تحديد الهدف أو بالأحرى تحديد العناصر الإرهابية والعناصر التى تدعمها من أجل حصارها وعزلها ولو بإجراءات استثنائية، وليس توسيع دائرة الاشتباه لتستهدف بيئة اجتماعية محايدة وأحيانا معادية للعناصر الإرهابية، وتحولها إلى بيئة حاضنة أو متواطئة مع الإرهاب.
الفارق واضح بين اتخاذ إجراءات استثنائية للحفاظ على سلامة شعب من خطر الإرهاب، وبين اتخاذ إجراءات استثنائية لملاحقة معارضين سياسيين وليس محرضين على العنف.
المعركة ضد الإرهاب فى النظم الديمقراطية لم تنتصر بشكل كامل على الإرهاب، إنما قللت من أخطاره فى حين أن معركة بعض النظم العربية ضد الإرهاب مثل سوريا تحولت إلى مصدر من مصادر انتشاره، تماما مثلما فعلت الولايات المتحدة حين غزت العراق وتحولت حربها ضد الإرهاب إلى أحد أسباب انتشاره.
معركتنا ضد الإرهاب حقيقية وكبيرة ويجب أن تحدد هدفها فى حصار داعمى الإرهاب والمحرضين عليه ولو بإجراءات استثنائية، وهذا أمر لا يعنى مطلقا حصار داعمى الديمقراطية والمعارضة السلمية فهؤلاء يمثلون حاجزا حقيقيا أمام انتشار الأفكار العنيفة والمتطرفة.
نعم الإرهاب يفرض قيودا على حقوق الإنسان من أجل تسهيل محاربة العنف والتطرف، وليس السياسة والديمقراطية ودولة القانون لأن الأخيرة هى التى تحمى المجتمع والدولة من أخطار الإرهاب وليس الإجراءات الاستثنائية.