بقلم : عمرو الشوبكي
لايزال يسيطر على قطاعات واسعة داخل الدولة وخارجها نوع من الخوف وربما الهلع من مسألة التظاهر، وبصورة أكدت أننا لم نستطع بعد التعايش مع المظاهرات واعتبارها أمرا عاديا يجرى فى كل المجتمعات، وأن بلدًا شقيقًا مثل الأردن شهد على مدار أشهر اعتصامات «الدوار الرابع» الشهيرة، احتجاجا على غلاء الأسعار ورفع الدعم على بعض السلع لم تسقط النظام ولم تغير الملك، رغم أن «كيان الأردن» حديث لكنه تعامل معها بشكل استيعابى حتى بدت وكأنها أمر طبيعى، دون الحاجة لاستخدام هستيريا التآمر والتخوين.
أذكر أنه فى إحدى زياراتى للمغرب العام الماضى شهدت مظاهرة أمام البرلمان شارك فيها عشرات الآلاف فى عز حراك الريف، وأطلقت فيها بعض الهتافات التى انتقدت الملك، وهو أمر غير متعارف عليه فى النظام السياسى المغربى، ومع ذلك تعمدت السطات أن تتركها لأنه كانت لها رسالة أهم تقول: نعم سأتسامح مع المظاهرات المرخصة حتى لو تجاوزت فى بعض شعاراتها.
والحقيقة أن الأمثلة على هذا التعامل كثيرة فى دول عربية (وليست أوروبية) حين أوجدت قنوات «حميدة» لمشاعر الغضب أو الرفض أو الاحتجاج تميزًا بينها وبين التحريض والتخريب والهدم، أى بمعنى أن هناك من يفكر داخل هذه النظم ويرى ضرورة استيعاب المعترضين وجذبهم نحو الأهداف الإصلاحية وليس الثورية.
ورغم أن هناك من يقول إن مصر مستهدفة، وأن هناك تحريضًا ضدها من خارج الحدود، وهو صحيح جزئيا لأن جانبًا من خطاب التحريض يصنع خارج الحدود، ولكن المؤكد أيضا أن هناك خميرة داخلية طبيعية وموجودة فى أعرق الديمقراطيات ترفض بعضًا أو كثيرًا من السياسات وترغب فى الاحتجاج وربما التظاهر، فهل ندفعها لأن تكون مع المحرضين فى مركب واحد؟.
من حق كثيرين أن يعترضوا على التظاهر فى ظل بلد يعانى مشاكل اقتصادية كثيرة ويحتاج لترسيخ قيم العمل والإنتاج، إلا أن عليه أن يحمل مسطرة واحدة فيرفض مظاهرات المؤيدين كما المعارضين، لا أن يمشى على سطر ويترك سطرا.
لا يجب أن تصيبنا حالة هلع من مظاهرة، ولا يجب أن نتعامل مع كل مظاهرة على أنها جزء من مؤامرة، إنما يجب أن يأتى اليوم الذى نميز فيه بين غالبية الشعب التى تضم مؤيدين ومعارضين، ومعهم غالبية ترفض التظاهر وأقلية قد ترى أن الحل فى التظاهر. وهؤلاء لو فتحنا لهم الباب للتعبير عما بداخلهم لن يذهبوا فى غالبيتهم العظمى نحو الخيارات المتطرفة ورسائل التحريض العابرة للحدود، لأنها ستجد فى نظامنا السياسى من سيحول المعارك الصفرية إلى معارك بالنقاط يشعر فيها من تظاهر لدوافع مطلبية أو إصلاحية أن له مكانًا داخل النظام السياسى على عكس دعاوى التحريض والتخريب، التى لا مكان لها عندنا أو عند غيرنا.