بقلم - عمرو الشوبكي
يحتاج الأمر معجزة أو ترتيبات كونية كبرى لتفادى معركة إدلب، آخر مواقع المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية، بعد أن نجح الجيش السورى فى استعادة الأراضى التى وقعت فى قبضة المعارضة المسلحة، ولم يبقَ إلا إدلب التى يعيش فيها ثلاثة ملايين مواطن.
والحقيقة أن انتصار النظام بدأ عقب خطيئتين للثورة السورية: الأولى عسكرتها، والثانية سيطرتها على مدن تتصور بعض فصائلها أنها يمكن أن تردع النظام بالاختباء خلف المدنيين، وهو ما لم يحدث، فلم يفرق الشعب السورى مع النظام ولا مع الدواعش، ودفع ثمناً باهظاً وسقط ما يقرب من نصف مليون سورى ضحية تلك الحرب البشعة.
صحيح أن الحراك المدنى والشعبى الذى قمعه النظام بشدة فى بداية الثورة السورية مسؤول عن هذه العسكرة، ومع ذلك فإن خطيئة الانجرار نحو رد الفعل وحمل السلاح، وتصور أن النصر سهل، وأن إسقاط النظام بالقوة المسلحة وتفكيك ما تبقى من الدولة السورية وهزيمة جيش النظام يعنى الانتصار، والحقيقة أنه كان سيعنى هزيمة للشعب السورى لأن نجاح المعارضة المسلحة فى إسقاط النظام السيئ سيكون لصالح بدائل أكثر سوءاً وقبحاً.
إدلب هى آخر قطعة أرض فى سوريا تسيطر عليها الجماعات التكفيرية والمعارضة المسلحة، وهناك محاولات غربية تركية لتفادى الحرب وإيجاد مخرج سياسى حتى لو كان ثمنه «بيع» هيئة تحرير الشام- جبهة النصرة، التى كانت حتى وقت قريب مدعومة من تركيا.
الحل فى سوريا لن يكون عسكرياً، وللأسف اعتدنا فى العالم العربى التهليل لانتصار كل فريق تبعاً للأهواء السياسية، فمازال هناك مَن يهلل حين يتقدم النظام ويقتل المدنيين قبل الإرهابيين، على اعتبار أن النصر قادم بالحسم العسكرى، تماماً مثلما هلّل فريق آخر منذ 3 أعوام لتقدم المعارضة وسيطرتها على أكثر من ثلثى سوريا، وأغمضوا أعينهم عن أن داعش وجبهة النصرة هما فى قلب هذا التقدم.
ومازال البعض يشجع النظام السورى على حسم معركة إدلب بالقوة المسلحة، حتى لو سقط نصف مليون مدنى آخر ضحايا لغارات النظام وبراميله المتفجرة أو بفعل داعش والنصرة، اللذين أخذا المدنيين كرهائن فى كل المدن التى احتلوها فى سوريا أو العراق. إن كل مَن يهلل الآن لما يصفه بـ«انتصارات النظام السورى» ينسى أو يتناسى أن الصراع فى سوريا لن يُحَلّ بالقوة المسلحة.
بقى ما يشبه الدولة فى سوريا ولكنها بقيت، وهذا فى حد ذاته إيجابى، أما الأكثر أهمية فهو فى قدرتها على لملمة جراح الشعب السورى وانقساماته العميقة، وهذا لن يتم إلا بمصلح جراح يأتى من داخل ما تبقى من الدولة السورية ويتجاوز نظام بشار الأسد والمعارضة المسلحة، ويؤسِّس لسوريا جديدة مدنية عادلة، ويمكن أن تكون ديمقراطية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع