بقلم: عمرو الشوبكي
رغم توقعات الكثيرين، ومنهم كاتب هذه السطور، ألا تستمر الحرب في أوكرانيا أكثر من شهر، فإنها استمرت مائة يوم، وتصورت روسيا أنها ستخوض معركة لمدة أسابيع قليلة، فوجدت نفسها تدخل في حرب لأشهر ممتدة، غيرت فيها من تكتيكاتها أكثر من مرة حتى بدا واضحًا أن هدفها الاستراتيجى هو السيطرة على الشرق الأوكرانى برمته.
وبالفعل سيطرت روسيا على مدينة «ليمان» وقبلها «ماريوبول» الاستراتيجية الساحلية التي تربط بين روسيا ومنطقة الدونباس وشبه جزيرة القرم، لتحكم سيطرتها على بحر آزوف، وباتت قريبة من السيطرة الكاملة على إقليم الدونباس المرتبط جزء كبير من سكانه ثقافيًّا ولغويًّا بروسيا، وهو ما سيعنى انتصارًا في الحرب وربما طى صفحتها.
ورغم بطء تقدم القوات الروسية فهى يبقى تقدمًا واضحًا، فقد سيطرت على 20% من الأراضى الأوكرانية وفق تصريحات الرئيس الأوكرانى، ومع ذلك يصر الغرب على جعل تكلفة الحرب على روسيا وأوكرانيا باهظة.
فقد حصلت أوكرانيا على صواريخ أمريكية متطورة تستطيع أن تضرب بها العمق الروسى، صحيح أنها تعهدت بألا تقوم بذلك، إلا أن مسار كثير من المواجهات في الماضى انتقل من السيئ إلى الأسوأ لأخطاء في الحسابات، فاستهداف العمق الروسى بأى صواريخ انتقامية أوكرانية سيجعل ردها عنيفًا وقد يدفعها لتجاوز الخطوط الحمراء الضابطة لهذه الحرب.
بالمقابل فإن صمود الاقتصاد الروسى وقدرته على مواجهة العقوبات الغربية في المائة يوم الماضية مرشح أن يستمر أيضًا في المائة يوم القادمة، خاصة مع إصرار الرئيس بوتين على أن تدفع الدول الغربية والشركات الكبرى صادرات روسيا من الغاز والنفط بالروبل، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمته بنحو 20٪ مقارنة بما كان عليه قبل الحرب، في ظل تراجع الواردات وارتفاع أسعار الطاقة.
ومع ذلك ستواجه روسيا صعوبات كبيرة إذا استمرت الحرب لستة أشهر قادمة، وهو الموعد الذي حدده قادة الاتحاد الأوروبى في اجتماع أمس الأول للاستغناء عن النفط الروسى الخام، فيما عرف بالحزمة السادسة للعقوبات والتى تضمنت أيضًا الاستغناء الكامل عن المواد المكررة في خلال عام وإخراج البنوك الروسية من نظام «السويفت».
يقينًا تطبيق هذه العقوبات سيضر أيضًا بالدول الأوروبية التي عانت من التضخم وتراجع قوتها الشرائية، إلا أن استمرار الحرب ستة أشهر أخرى سيضر بروسيا أكثر من أمريكا وأوروبا، أما إنهاؤها بعد مائة يوم فسيعنى انتصارًا واضحًا لروسيا.
سيصبح الشرق الأوكرانى في المدى القريب جزءًا من الاتحاد الروسى ليس فقط عبر القوة المسلحة إنما أيضًا عبر أي آلية سياسية (استفتاء)، وهو ما سيعنى نجاح العملية الروسية في أوكرانيا وفشلها في نيل ثقة جيرانها الذين ذهبوا لحلف الناتو خوفًا من التمدد الروسى، كما فعلت السويد وفنلندا المحايدتان منذ عقود طويلة.