بقلم : عمرو الشوبكي
اشتعلت حرائق الأمازون فى البرازيل، واشتعلت معها حرائق السياسة واختلط تحدى البيئة والمناخ بتحدى التداخل بين المحلى والعالمى.
الرئيس البرازيلى الذى ينتمى لتيار اليمين المتطرف رفض أى تدخل غربى، وشن هجوما حادا على المنظمات غير الحكومية مثلما يفعل كل زملائه فى نفس المدرسة السياسية، واتهمها بالمبالغة فى تصوير ما حدث، خاصة أن له تصريحات سابقة لم تكترث بالحفاظ على البيئة.
والمعروف أن هذه الغابات تمتص ثانى أكسيد الكربون وتبعث بدلا منه الأكسجين، وهو أمر حيوى للبشرية كلها، كما أنها على نفس الخط الاستوائى لفرنسا، وهو ما جعل الأخيرة تدخل فى سجال حاد مع الرئيس البرازيلى انتهى بتوجيه أحد المقربين من الأخير إهانة رخيصة لزوجة الرئيس الفرنسى أثارت ردود فعل رافضة داخل البرازيل وخارجها، وذكرتنا ببذاءات اسم معروف فى الحياة العامة المصرية لا يمس ولا يحاسب.
والحقيقة أن هذه الأزمة لافتة فى دلالاتها، فهى بالتأكيد أزمة محلية على أرض دولة تتمتع بالسيادة على أرضها، ومع ذلك فلولا الضغوط الخارجية الكبيرة لما تحرك الرئيس البرازيلى ولما اتخذ إجراءات أكثر قوة للتعامل مع الحرائق.
والحقيقة أن هذا الجدل الذى شهدته البرازيل بين المحلى والعالمى هو جدل يشهده مجتمعنا ومجتمعات أخرى غيرنا فى قضايا تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتم التعامل معها باعتبارها قضية محلية تخضع للسيادة الوطنية والحكم عليها يكون من قبل الدولة الوطنية، وليس الدول أو المؤسسات الأجنبية، وهو أمر نظريًا صحيح، (بعيدًا عن أن تعامل معظم الدول العربية مع الملف الاقتصادى عكس الملف السياسى فتتحدث عن قيم الاقتصاد العالمية، والتجارة الحرة، وتسعى للحصول على استثمارات وقروض دولية)، إلا أن تداعيات انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية باتت تنعكس على العالم كله، فما جرى فى سوريا وليبيا على سبيل المثال من خراب لا يرجع فقط لدور الجماعات التكفيرية الإرهابية أو التدخلات الأجنبية، إنما لوجود نظم شديدة الاستبدادية مارست نمطا غير مسبوق من الانتهاكات فى مجال حقوق الإنسان وبقى أحدها فى السلطة 42 عاما، وهو نمط من الحكم يفتح الباب لمؤامرات الخارج وللتطرف فى الداخل.
يقينا الغرب يوظف فى أحيان كثيرة ملف حقوق الإنسان لصالح أجندته السياسية، لكن علينا أن نعى أن جانبا من موقفه من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان هو حماية لأمنه ولحدوده، فلا يوجد نظام ديمقراطى أو نصف ديمقراطى جلب لبلده الفوضى مثلما حدث فى سوريا والعراق وليبيا، وإن كل النظم التى صدرت ملايين اللاجئين وآلاف الإرهابيين هى نظم «فوق استبدادية» وأن أوروبا حين تدخل ولو بخجل فى ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان فهى تدافع عن نفسها من الهجرة غير الشرعية والإرهاب وهو ما يتقاطع مع موقفها من حرائق الأمازون.