توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المعايير المزدوجة

  مصر اليوم -

المعايير المزدوجة

بقلم : عمرو الشوبكي

لا أحد يتصور أن سياسة المعايير المزدوجة هى فقط سياسة غربية تجاه دول العالم الثالث، فجملة المعايير المزدوجة رددناها فى العالم العربى تعبيرا عن غضبنا من الانحيازات الأمريكية لإسرائيل وتطبيقها معايير مزدوجة فى التعامل مع ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، فتغمض أعينها عن جرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، وتصر على اعتبار كل أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال نوعا من الإرهاب، وتشن حملات على بعض الدول حين تنتهك حقوق الإنسان، وتصمت على جرائم أخرى تبعا للمصالح والهوى السياسى.

وظل موقفنا من المعايير المزدوجة فى محله أحيانا، وفى أحيان أخرى اعتبرناه حجة لكى نتهرب من مسؤوليتنا فى مواجهة أخطائنا وضعفنا، فعلقناها على تحيزات الغرب ومعاييره المزدوجة.

والحقيقة أن الغرب حين يطبق معاييره المزدوجة، فهو فى جانب يعبر عن تحيزاته ضدنا، وفى جانب آخر يعبر عن استهانة وعدم احترام نتيجة سوء أوضاعنا الداخلية.

والمؤكد أن سياسة المعايير المزدوجة التى رفضناها خارجيا طبقتها نظمنا داخليا بامتياز حتى أصبحت دولة القانون غائبة تماما لصالح المعايير المزدوجة التى تطبق حسب الأهواء السياسية والأمنية.

فهل من الطبيعى أن يهرب وزير الداخلية السابق من تنفيذ حكم قضائى بالحبس 7 سنوات تحت سمع وبصر الوزارة المنوط بها تنفيذ أحكام القضاء والقانون؟ يقينا، هروبه لم يكن عملا بريئا، ولم يتم دون علم الأجهزة المنوط بها تنفيذ حكم المحكمة.

إن قضية تنفيذ الأحكام تخضع للمعايير المزدوجة، فهى تطبق على الضعفاء أولا وعلى كل المعارضين، أما المؤيدون فسينفذ فيهم الحكم فورا إذا لم يكن لهم ظهر، مثلما جرى مؤخرا مع نائبة فى البرلمان، فى حين تترك معايير الحكم المزدوجة كثيرا من المحصنين والمحميين يرتكبون جرائم أكثر بشاعة ولم ولن يحاسبهم أحد.

حكم قضائى على وزير الزراعة السابق (باشمهندس مدنى اتهم بالفساد) نُفذ فور خروجه من مكتبه وبعملية استعراضية أدهشت الكثيرين، فى حين أن وزير الداخلية السابق الذى اتهمه الشعب بارتكاب جرائم كثيرة وأدانته المحكمة فى قضية فساد كبرى، ومع ذلك لم نجد سيارة دفع رباعى واحدة تراقب منزله، إنما يهرب بكل سلاسة وتحت إشراف مَن كان يجب عليهم توقيفه، لأن المعايير المزدوجة لها ناس وناس.

هل شهدنا مجلس نواب فى العالم يعتبر أن لائحته البرلمانية أعلى من نص دستورى وقانونى قاطع، وحكم قضائى بات ونهائى من أعلى سلطة قضائية فى مصر وهى محكمة النقض؟ وهل حجة من هذا النوع يمكن تصورها لو كانت أسماء القضية معكوسة، أى لو كان الحكم فى صالح أسماء تحركها أجهزة الأمن؟ لكان بالتأكيد نُفذ فورا، لأن المعايير المزدوجة لا تقول إننا فى دولة قانون إنما فى «طابونة»، كما قال الرئيس، يحاسب فيها الناس حسب حيثياتهم لا باعتبارهم مواطنين.

المعايير المزدوجة جوّدت فى مصر وأصبحت تتعامل مع كل مواطن باعتباره متهما محتملا، فلو كان من أهل الحظوة (يذكروننا بأهل الحل والعقد)، فلن يحاسب مهما كانت جرائمه، لأن القاعدة القانونية ليست عامة ومجردة كما تعلم طلاب السنة الأولى فى كلية الحقوق إنما هى خاصة ومفصلة.

قانون السلطة القضائية اعتبره الكثيرون فُصل لاستبعاد اسمين من رئاسة الهيئات القضائية، وكأن كل مشاكل العدالة الناجزة فى مصر اختُزلت فى استبعاد اسمين، وحللنا مشكلة بطء إجراءات التقاضى والحبس الاحتياطى الذى تحول إلى عقوبة تجاوزت فى بعض الأحيان العامين بالمخالفة للقانون.

دولة القانون ليست فقط شرطا للتحول الديمقراطى إنما هى شرط لتدفق الاستثمارات والسياحة والتقدم الاقتصادى، وهى تخلق الثقة بين المواطن ودولته ونظام حكمه، ويجب ألا يتصور أهل الحكم أنه يمكن أن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام فى ظل إهدارٍ فجٍّ للأسس التى قامت عليها دولة القانون.

كل الدول التى تقدمت، بما فيها الدول غير الديمقراطية، هى التى أسست أولا دولة قانون، فالصين (وغيرها من دول العالم) يحكمها حزب سياسى واحد هو الحزب الشيوعى (وليس المؤسسة العسكرية)، بها قانون ينظم كل مناحى الحياة فى السياسة والاقتصاد وليس بها تعددية ولا ديمقراطية، فدولة القانون هى القاعدة الأساسية للنجاح، والمعايير المزدوجة هى القاعدة الأساسية للفشل.

يجب ألا نتصور أن سياسة المعايير المزدوجة التى نطبقها فى الداخل ستجعلنا قادرين على مواجهة المعايير المزدوجة فى الخارج، فحين يكون نظامنا فى الداخل قائما على تحيزات وأهواء وعشوائية، علينا ألا نتوقع أن يحترمنا العالم ويتوقف عن معاييره المزدوجة لصالح دول تطبق على شعوبها نفس المعايير المزدوجة وبصورة أكثر فجاجة.

علينا أن نصلح ما بأنفسنا حتى نستطيع أن نقنع العالم بأننا جادون فى بناء نظام دولى قائم على العدالة والمساواة والقانون، لا أن نطالب بهذا العالم فى الخارج ونطبق عكسه فى الداخل.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعايير المزدوجة المعايير المزدوجة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon