بقلم: عمرو الشوبكي
رسالة الأستاذ محمد طنطاوى انتقدت ثلاثة مقالات نشرتها «المصرى اليوم» لأنها تحمل آراء متعارضة، مع أنه أمر فى صالح «المصرى اليوم» وسياستها التحريرية، وهو ما سأعلق عليه تفصيلًا، غدًا، إن شاء الله.
وقد جاء فى رسالة أستاذ طنطاوى:
قرأت مقال د. محمد كمال «سلام بعيد المنال»، وفيه تم استبعاد حدوث تسوية فى المستقبل المنظور بين أطراف الأزمة الروسية- الأوكرانية الحالية دون انخراط الولايات المتحدة، وفى ظل حسابات المكسب والخسارة المعقدة للأطراف الدولية الأخرى، خاصةً الصين. وعلى الرغم من تنبيه كثيرين من المحللين والمراقبين إلى عدم الإسراع بتوقع مسارات الأزمة، فإن محللًا يرى امتداد الأزمة الحالية إلى شهور وربما سنوات، فيما يرى محلل آخر فى الصحيفة نفسها وفى اليوم ذاته، د. عمرو الشوبكى، فى مقاله «الاقتراب من نهاية الحرب» احتمال حدوث تسوية قريبة.
فى الحالتين، أى فى حالتى تحليلكما للأزمة، يتضح مدى التفاوت الهائل فى تحديد معطيات الأزمة، ومن ثَمَّ التنبؤ بمآلاتها، فإذا كان د. كمال يرى فى تحليله صعوبة التوصل إلى تسوية قريبة نظرًا للبُعد الاقتصادى (عدم انخراط روسيا بالكامل فى النظام العالمى)، والبُعد العسكرى (تجنب حلف الأطلنطى وروسيا المواجهة المباشرة)، والبُعد السياسى (عدم تحقّق كثير من الأهداف الروسية والأوكرانية فى الحرب الحالية)؛ فإن د. «الشوبكى» يرى أن الجميع التزموا بالخطوط الحمراء الافتراضية فى الصراع، وهو ما يجعل الواقعية السياسية، كمنظور لتحليل العلاقات الدولية، هى الأقرب.
فى الوقت ذاته، يأتى مقال ثالث، «النظرة الواقعية إلى الحرب الأوكرانية»، للأستاذ «جمال أبوالحسن»، فى الصحيفة ذاتها، وفى اليوم ذاته، ليتبنى رؤية وسطية ترى أن هناك عوامل أخرى، منها القومية وسيكولوجية الشعوب، التى تؤثر تأثيرًا بالغًا فى مسار الأزمة الحالية، على عكس «التحليل البارد» لمدرسة الواقعية السياسية، التى تركن إلى حسابات المكسب والخسارة فقط.
والسؤال: هل يمكن حقًّا الاعتماد على أدوات التحليل السياسى التقليدية فى تناول الأزمة الروسية- الأوكرانية التى قيل، ضمن ما قيل عنها، إنها عتبة فارقة تؤشر على ظهور نظام عالمى جديد؟. بعبارة أخرى، إذا كان عدد من الخبراء، مثلكم، متمرسين فى عمليات التحليل السياسى تتعارض تحليلاتهم على هذا النحو، خلال يوم واحد فقط، فإننا نتساءل عما إذا كان علم السياسة يصلح دائمًا لتفسير الأحداث والظواهر المحلية والعالمية.
وربما أضيف إلى ذلك سؤالًا يتعلق بآلية النشر ذاتها: كيف يستقيم لصحيفة معروفة، مثل «المصرى اليوم»، أن تعرض لوجهات نظر متعارضة، ولا أقول متباينة، فى اليوم ذاته، لعدد من الكُتاب، مدار اختصاصهم واحد تقريبًا، فى حين أن ذلك لا يحدث إلا نادرًا فى الصحف وصفحات مختلفة من النسخة الورقية؟ ألا يستدعى ذلك التأمل ليس فقط فى مضمون تعارض وجهات النظر، بل أيضًا حول تأثير ذلك على وعى ومدى إفادة القارئ؟