بقلم : عمرو الشوبكي
المظاهرات المحدودة التى شهدتها بعض المدن المصرية فى 20 سبتمبر الماضى، اعتبر الحكم أن سببها الرئيسى مطالب اقتصادية، فاتخذ بعض الإجراءات ذات الطابع الاجتماعى للتخفيف عن الفئات الفقيرة، وأعاد فئات لبطاقات التموين، سبق أن استبعدها، وخفّض سعر البنزين، وحلّ جانبًا من مشاكل أصحاب المعاشات.
والحقيقة أن الخبرة السياسية المصرية تقول إن كل نظمنا السياسية تفاعلت مع مطالب الجماهير فى كل المراحل التاريخية، فحين تظاهر الطلاب والعمال ضد الزعيم عبدالناصر عقب هزيمة 67 ورفعوا شعارات سياسية، قدّم الرجل إصلاحات سياسية، وأصدر بيان 30 مارس، وتحدث عن الديمقراطية والتعددية الحزبية ودولة القانون، وحين خرجت الجماهير فى 18 و19 يناير 1977 ضد قرارات رفع الأسعار فى عهد الرئيس السادات، تراجع الأخير عنها فى اليوم التالى، وبقيت مجمدة لعقود من الزمن، وأخيرًا حين خرجت الجماهير فى 25 يناير ورفعت شعارات سياسية مناهضة للرئيس الأسبق حسنى مبارك، استجاب لها وقدم إصلاحات حقيقية فى بنية نظامه، كانت ستنتهى برحيله فى شهر سبتمبر، وهو ما قوبل بالرفض من قِبَل الإخوان والتيارات الثورية وبعض القوى المدنية.
والمؤكد أنه لا يوجد نظام سياسى فى مصر ولا فى العالم يتجاهل طموحات الناس، سواء أخذت شكل احتجاج وتظاهرات أو جرى التعبير عنها بطرق مؤسسية أخرى.
والواضح أن هناك تراجعًا كبيرًا فى الطلب الجماهيرى على السياسة، منذ تعثر مسار ثورة 25 يناير، واعتبار تيار واسع من المصريين أن الجرعة السياسية الزائدة التى عرفتها البلاد عقب يناير، أوصلت البلاد لفشل، بدءًا بالفعاليات الثورية والصوت الاحتجاجى، وانتهاء بوصول الإخوان للسلطة.
ورغم أن سقوط حكم الإخوان جاء نتيجة استمرار الطلب الجماهيرى على السياسة وخروج مئات الآلاف من المصريين فى مواجهة مشروعهم فى التمكين الأبدى للسلطة، وطالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة وإنهاء حكم الجماعة، إلا أن الحكم الجديد (ومعه تيار شعبى) رأى أن الأحزاب ضعيفة، والشعب غير مهيأ للديمقراطية، وإنه حان الوقت لكى يحكم مصر رئيس يتحدث باسم الجميع.
علينا الحذر من هذا الفصل بين الاقتصادى والسياسى، لأن كثيرًا من التجارب حولنا تحولت المطالب الاقتصادية لمطالب سياسية، لذا سيبقى المسار الآمن للجميع، رجالات دولة وبقايا سياسيين، هو فى التوافق على وجود مؤسسات سياسية قانونية تضمن للبلاد مسارًا آمنًا للتقدم والتنمية ولا تحدث هذا الفصل الكامل بين الاقتصادى والسياسى.