بقلم : عمرو الشوبكي
ترسخ الانقسام الفلسطينى عقب السيطرة المسلحة لحركة حماس على قطاع غزة وطرد وقتل قيادات حركة فتح منها، معلنة البداية العملية لضعف الأداء الفلسطينى فى الضغط أو التفاوض مع سلطة الاحتلال الإسرائيلى مهما بلغت حدة شعاراتها المرفوعة.
إن لحظة رفع سلاح حماس على فتح فى قطاع غزة بدلا من رفعه ضد المحتل الإسرائيلى، والعمل على مدار عقدين لتحويلها لإمارة معزولة عن العالم الخارجى، والدخول فى سجالات ومزايدات صغيرة مع القيادة الفلسطينية.. ساعد الاحتلال على إحكام قبضته على الأراضى المحتلة، وترديد خطاب (حتى لو كان حجة) له ما يسنده فى أرض الواقع بأنه لا يوجد شريك فلسطينى جاهز للتفاوض.
وقد تعثرت جهود المصالحة الفلسطينية، ولم يحُل نزيف الدم الفلسطينى الذى يسقط كل يوم دون استمرار حملات التخوين المتبادلة، وكانت حركة حماس كما هى العادة سباقة فى شتم السلطة الفلسطينية، مع أنه يفترض أن معركتها الأولى مع الاحتلال الإسرائيلى.
الانقسام الفلسطينى فتح الباب أمام الكثيرين لتبرير ما يجرى فى غزة من جرائم منظمة بحق المدنيين العزّل، فلا توجد دولة فى الكرة الأرضية دللها المجتمع الدولى مثلما فعل مع إسرائيل، ومن المستحيل أن نجد دولة احتلال تضامنت معها القوى الكبرى مثلما فعلت أمريكا، ومن الصعب تبرير هذا الضعف العربى فى التعامل مع دولة خارجة على القانون مثلما يحدث مع إسرائيل.
والمؤكد أن جرائم أى دولة تكتمل حين يصبح عدد المتواطئين أكبر من عدد القادرين على مواجهتها، وتصبح الجريمة كاملة حين تمتلك غطاء شرعيا لا يعتبر قتل 100 مدنى فى شهر واحد حتى جريمة «قتل خطأ»، إنما يجد لها المبررات والأعذار لكى تتحول إلى عمل طبيعى، بل فى بعض الأحيان إلى نوع من الكفاح والبطولة «ضد الإرهاب».
لقد هيأت الدعاية الإسرائيلية المسرح الدولى لقبول جرائمها فى قطاع غزة، واستغلت المسرح الفلسطينى بانقسامه الداخلى واستئثار حماس بقطاع غزة وعزله عن باقى الأراضى الفلسطينية، وأخيرا، العجز العربى الدائم عن مواجهتها بالشرعية الدولية والضغوط السياسية.
أعرف أن هناك مدرسة فى مصر والعالم العربى تقول دائما: حتى لو كان الفلسطينيون موحدين فلن يغيروا فى الواقع شيئا، مثلما يقولون أيضا إننا مهما غيرنا من أوضاعنا فسيفعل الأمريكيون ما يريدون لأن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا (جملة سابقة للرئيس السادات)، فلا داعى للقيام بواجبنا (our home work) من تنمية وإنجاز اقتصادى وحد أدنى من دولة قانون، وتناسى أن تحقيق ذلك سيعنى قدرة أكبر على التأثير بل التغيير فى المعادلات الدولية.
والأمر نفسه ينسحب على المعادلة الفلسطينية الداخلية، فحماس تتحمل المسؤولية الأكبر فى الانقسام الفلسطينى وفى سوء الأداء السياسى والعسكرى، كل ذلك لا يعنى مساواتها بسلطة الاحتلال كما يردد البعض، إنما يعنى ببساطة أنه لن يتعامل العالم مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية احتلال وسياسة وليست قضية إرهاب أو مساعدات إنسانية إلا لو عادت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لتسيطر على كامل قطاع غزة وتديره بالكامل، وتتحدث باسم الشعب الفلسطينى بخطاب مدنى يدعم النضال السلمى للشعب الفلسطينى البطل، وليس الخطاب الدينى الذى تمثله حماس.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع