بقلم - عمرو الشوبكي
ستظل ثورة 23 يوليو حاضرة فى وجدان الشعوب العربية والشعب المصرى لأسباب كثيرة، أهمها أنها جسدت نموذجا حيا (أخطأ وأصاب) لمعانى التحرر الوطنى والمساواة، الذى قادته مصر طوال الخمسينيات والستينيات.
ثورة يوليو قادها تنظيم سياسى (الضباط الأحرار) بزعامة جمال عبدالناصر اخترق به الجيش وكان جزءا من تنظيمات سياسية عديدة عرفها كثير من دول العالم الثالث، وكانت الجيوش ساحة لتحركاتها، وهى أنشطة كانت بنت عصرها، على خلاف مرحلة ما بعد الاستعمار والتحرر، حين أصبحت قوة الجيوش وفاعليتها تعنى إبعادها عن السياسة والتنظيمات السياسية.
ولذا لا يمكن وصف ثورة يوليو بأنها كانت حكماً عسكرياً مثلما يقول البعض، بسبب إما كراهيتهم لأى مؤسسة وطنية، خاصة الجيش، أو بسبب موقفهم السياسى من اشتراكية وشعبية جمال عبدالناصر.
ضباط يوليو الأحرار أسسوا تنظيما سياسياً اخترقوا به الجيش وثاروا على النظام الملكى ومؤسستهم العسكرية، ولم تتحرك قيادة المؤسسة العسكرية وأصدرت أوامرها للضباط والجنود بالانقلاب على السلطة القائمة مثلما جرى فى تجارب الجيوش الانقلابية فى أمريكا الجنوبية وأفريقيا وتركيا.
لقد اختلفت ثورة يوليو عن تجارب الانقلابات العسكرية، لأنها عرفت تنظيمات سياسية ثورية اخترقت الجيش، ونجح أحدها أى الضباط الأحرار فى القيام «بانقلاب ثورى» على القيادة والحكم معا، وأصبح من الظلم وضع يوليو- على عدم ديمقراطيته- مع انقلابات أمريكا الجنوبية، لأن هناك من لديه عقدة من كون عبدالناصر ارتدى فى يوم من الأيام الزى العسكرى.
المؤكد أن تجارب العسكريين فى الحكم لم تكن كلها فاشلة ولم تكن كلها عسكرية ولا كلها ناجحة، كما أن تجارب المدنيين فى الحكم لم تكن كلها ناجحة ولا كلها ديمقراطية، صحيح أن ثورة يوليو لم تكن ديمقراطية، فقد أسس عبدالناصر نظاما غير ديمقراطى قام على الحزب الواحد، وتساوى مع زعماء العالم الثالث «المدنيين» الذين أسسوا لنظام الحزب الواحد أيضا متصورين أن مواجهة الاستعمار فى الخارج وتحقيق التنمية فى الداخل، تتطلب نظما تعبوية من هذا النوع، وتساوت التجارب الاشتراكية والرأسمالية، و«المدنية» و«العسكرية» فى هذا المضمار حتى بدت الهند استثناء واضحا من كل تجارب التحرر الوطنى بتأسيسها تجربة ديمقراطية لم تخل من مشكلات أيضا.
ستبقى ثورة يوليو حاضرة فى وجدان الشعوب العربية، وكل الشعوب التى ناضلت من أجل التحرر من الاستعمار فمهما كان سوء أوضاع عصر ما بعد التحرر الوطنى من أزمة اقتصادية وغياب الديمقراطية، فإن هذا لا يعنى قبولك برهن سيادتك وكرامتك بالاحتلال والاستعمار، مهما كانت نعومة ما يقوله المحتل ومندوبوه فى الداخل والخارج.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع