بقلم : عمرو الشوبكي
تقدم المرشح المستقل قيس سعيد، أستاذ القانون الدستورى، وحل فى المركز الأول وفق نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية «حصل على حوالى 19%».
يتحدث الرجل بلغة عربية فصحى رفيعة المستوى وفى نفس الوقت قريبة من الناس، ولم يستخدم اللهجة العامية التونسية «أكثر اللهجات فى المغرب العربى قربًا للغة العربية» لكى يقول إنه سيصل إلى الناس كما يفعل البعض عندنا، أو كما يفعل مروجو الإعلانات فى مصر بالترويج للهجة مشوهة أهانوا فيها اللغتين العربية والإنجليزية.
قيس سعيد رفع شعار «الشعب يريد»، وجاء بدون قوة حزبية وراءه أو جماعات ضغط ومال تنفق عليه، ولم يكن رجل «شو إعلامى» ولا «لقطة» ولا مؤتمرات كبرى يصعد فيها المرشحون على خشبة المسرح وسط موسيقى صاخبة وصراخ الحاضرين على الطريقة الأمريكية، إنما هو رجل لف الشوارع والأزقة وجلس مع الناس فى المقاهى بحملة محدودة الإمكانات تضم بعض طلابه والشباب المؤمن به.
وتبنى قيس سعيد برنامجًا انتخابيًا طالب فيه بدعم المحليات على حساب السلطة المركزية، وأن القرار السياسى يجب أن يأتى من القاعدة المحلية إلى القمة المركزية وليس العكس، ودعا إلى تعديل الدستور فى هذا الصدد.
ورغم أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات شهدت تراجعًا فى نسب التصويت «بلغ 45%»، فإنها أثبتت أن الشعوب العربية مثل غيرها ليست عجبة ولا استثناء، إنما هى شعوب طبيعية تمامًا يتم تشكيل وعيها وقدرتها على الفعل والإنجاز نتيجة سياق اجتماعى وسياسى محيط بها وليس لأسباب تتعلق بجينات موروثة.
واللافت أن تونس لم تستمر فقط فى مسارها الديمقراطى، إنما قدمت نمطًا حديثًا من التصويت العقابى مثلها مثل كثير من الديمقراطيات الراسخة والناشئة، فقد وجهت صفعة ديمقراطية إلى الأحزاب التى سيطرت على المشهد السياسى منذ الثورة حتى الآن، وتحديدًا ضد ما يُعرف بـ«أحزاب يمين الوسط»، التى مثّلها بشكل أساسى حزب «نداء تونس»، الذى خاض أكثر من عضو سابق فيه السباق الرئاسى وخسروا جميعًا، فى حين أنه لو اتفقت هذه القوى على مرشح واحد لكان باليقين من بين مرشحى الإعادة.
الشعب التونسى رفض النخب الحاكمة بالديمقراطية والصندوق، واختار اثنين من خارج المشهد الحزبى التقليدى كما فعل الأمريكان مع ترامب والبرازيليون مع جايير بولسونارو، واختاروا مرشحين من خارج الأحزاب التقليدية، أحدهما رجل قانون والثانى متهم بمخالفة القانون «نبيل القروى الحاصل على حوالى 15% من الأصوات».
وقد حل مرشح حزب النهضة فى المركز الثالث، ونجحت تونس، لأول مرة منذ ثورتها، فى أن تُخْرِج حركة النهضة الإسلامية من مرحلة الإعادة، وتتجاوز، ولو جزئيًا، ثنائية الاستقطاب المدنى الإسلامى، وهو أمر سيختلف فى الانتخابات التشريعية.
مبروك تونس، رسالة أمل للعالم العربى، حتى لو اختلف البعض مع مرشحى الإعادة.