توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من مانشستر إلى المنيا: الإرهاب مستمر

  مصر اليوم -

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر

بقلم - عمرو الشوبكي

لم تكن العملية الإرهابية التى شهدتها مدينة مانشستر البريطانية هى الأولى فى بلد أوروبى متقدم وديمقراطى، وللأسف لن تكون الأخيرة، مثلما شهدت مدينة المنيا عملية إرهابية أخرى فى بلد عربى نامٍ وغير ديمقراطى، وللأسف أيضا لن تكون الأخيرة، لنصبح أمام مشهد إرهابى عابر للحدود والنظم الحاكمة.

والحقيقة أن جريمة الانتحارى، سلمان العبيدى، الليبى- البريطانى، ذى الـ22 ربيعا، فتحت ملف المقارنة بين الإرهاب فى أوروبا والعالم العربى، خاصة أنها سبقت عملية المنيا الإرهابية بأيام معدودة، وطرحت سؤالا رئيسيا يتعلق بهوية وطبيعة الإرهاب الجديد، وما إذا كانت قضية دينية عقائدية منزوعة الصلة بالسياق الاجتماعى والسياسى، بدليل وجوده فى البلاد الديمقراطية والاستبدادية على السواء، بما يعنى أنه مرتبط بالتفسيرات المنحرفة للنصوص الدينية، بل إن البعض ذهب وقال بشكل واضح إن المشكلة فى الإسلام نفسه لأنه دين يحض على الكراهية والعنف.

والمؤكد أن الإرهاب ظاهرة مركبة لن تختفى من المجتمعات الديمقراطية ولا تنمو فقط بسبب الاستبداد والمظالم، فدول أوروبا الديمقراطية فيها إرهاب، ولكنها فى نفس الوقت تمتلك القدرة على مقاومته وحصاره وفرصا حقيقية للانتصار عليه، وهو إرهاب خاطف يقوم به أفراد منعزلون عن المجتمع لا يحتلون مدنا ولا أحياء، ويلفظهم ملايين المسلمين الذين يعيشون فى تلك البلاد.

فى حين أن الإرهاب الذى شهدناه- فى ظل نظم استبدادية مثل سوريا أو طائفية مثل العراق- هو إرهاب يدمر أمما ويحتل مدنا ويقتل عشرات الآلاف من البشر ويجعل الناس يتقبلون نظمهم الاستبدادية والطائفية، لأنهم مقتنعون أن «البديل» التكفيرى أكثر سوءا من النظم القائمة، على جرائمها وسوءاتها.

ومع ذلك يقول البعض إنه مادام الإرهاب موجودا فى دول صناعية وديمقراطية فإن هذا يعنى أن الإرهاب عقائدى وليس سياسيا أو اجتماعيا، وهو بالتالى يؤكد كلام المدرسة السائدة فى مصر الآن، والتى تختزل مواجهتها لكل حوادث الإرهاب فى الحديث عن مواجهة الفكر الدينى المنحرف والتفسيرات المتشددة للنصوص المقدسة وإصلاح المناهج الدينية دون أى قراءة للسياق الاجتماعى والسياسى، الذى يخلق بيئة حاضنة للإرهاب، تفرز كل يوم عناصر جديدة مهيأة للانتحار والقتل.

الإرهابى والانتحارى سلمان العبيدى، الذى نفذ عملية مانشستر، هو جزء من سلسلة طويلة من جيل ثانٍ من العناصر الإرهابية فى أوروبا لا يختلف عن كثير من العناصر الإرهابية فى مصر والعالم العربى، ويتميز بانعدام- (أو ضحالة فجَّة)- التكوين الفقهى والعقائدى، ولو فى الاتجاه المنحرف، فهناك الأخوان شریف، 32 عاما، وسعید كواشى، 34 عاما، اللذان نفذا عملیة «تشارلى إبدو» الإرهابية فى باریس منذ أكثر من عامين، ولم ينتميا إلى أى تنظيم دينى جهادى من قبل، ويحملان خلیطا من ثقافة شباب الضواحى الفرنسیة الفقراء والمهمشين مع قشور دينية أقرب للشعارات التكفيرية وليس المفاهيم التكفيرية، وهناك صلاح عبدالسلام، 26 عاما، أحد العقول المدبرة لعملية باريس الإرهابية، والذى وصفته صحيفة «لوموند» الفرنسية بـ«الجهادى الذى لا يصلى فى موعده أبدا» (Le djihadist qui ne priait jamais à l›heure)، فى تحقيق مطول قدمت فيه بروفايل لشاب له علاقة بأشياء كثيرة (المخدرات والسرقات الصغيرة) لا الدين.

وهناك محمد الهلالى الفرنسى، من أصل تونسى، 31 عاما، والذى قتل بشاحنته الضخمة 84 شخصا، بينهم 10 أطفال، فى مدينة نيس الفرنسية، متأثرا فى تحركاته بعصابات السطو المسلح أكثر من تأثره بأفكار ابن تيمية المتشددة، وهو طبیعى، لأنه لم يشاهد یصلى مرة واحدة فى حیاته، واعتاد شرب الكحولیات والمخدرات، ودائم الاعتداء على زوجته السابقة، ووصفه وزير الداخلية الفرنسى بأنه «تحوَّل فجأة إلى متطرف، وليس له أى ماضٍ جهادى».

لقد خرجت من أهم الجامعات والمراكز العلمية فى الغرب مئات الأبحاث والكتب لدراسة ظاهرة الإرهاب الجديد، وأكدت جميعها أن الغالبية الساحقة من المتطرفين (أكثر من 90% منهم) مواطنون أوروبيون من أبناء المهاجرين ومن ساكنى الضواحى الفقيرة والمهمشة، ويعيشون فى جيتو منعزل عن نمط الحياة الغربى، كما أنهم فشلوا مهنيا ودراسيا، وعانى معظمهم فشلا دراسيا مبكرا، كما أن أعمارهم تتراوح بين 23 و30 عاما، صحيح أن بعضهم سافر إلى سوريا دفاعا عن الإسلام والمسلمين ضد النظم الظالمة والكافرة المدعومة من الغرب (كما تصور)، وأن معظمهم تم تجنيده عبر مواقع التواصل الاجتماعى وعبر شرائط داعش التحريضية وخطابه الإعلامى والتسويقى، الذى يخاطب المهمشين بجنة موعودة على الأرض والآخرة، لا عبر كتب فى الفقه أو التفسير.

مَن يتصور أنه وجد «التائهة» حين يرد عليك بالقول إن الإرهاب موجود فى بلاد ديمقراطية ومتقدمة، بما يعنى أن المشكلة لا علاقة لها بالسياسة ولا الاقتصاد، إنما فقط أو أساسا بالجوانب العقائدية والدينية، فتأكد أنه لا يعرف شيئا عن الإرهاب الجديد الذى تشهده أوروبا وأمريكا، فكل الأسماء المعروفة وغير المعروفة التى مارست الإرهاب فى هذه البلدان لم يكن أصحابها أعضاء سابقين فى تنظيمات جهادية، ولم يكونوا متدينين من الأصل، ولا قارئين لأى تفسيرات فقهية أو مناهج دينية، بل كانوا مهمشين ضائعين وجدوا فى بعض الشعارات والقشور الدينية مبررا لما سبق أن قرروه، أى ممارسة الإرهاب والانتقام من المجتمع، الذى لم يعطهم فرصة للنجاح (دون أن يبحثوا فى مسؤوليتهم عن عدم النجاح).

ولذا لم يكن غريبا أن يكون حديث قادة الدول الصناعية السبع، فى مؤتمرهم الأخير، أمس الأول، أكثر عملية فى التعامل مع ظاهرة التطرف الجديد من مؤتمر الرياض، فقد طالبوا شركات الإنترنت الكبرى بالتعاون مع الأجهزة الأمنية فى فرض رقابة على المحتوى المتطرف والمحرض على العنف فى مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يطالبوا أحدا فى العالم العربى بتصحيح المفاهيم الدينية ولا دعوة الأزهر أو مركز «اعتدال» السعودى أو «صواب» الإماراتى إلى الرد على المتطرفين وتصحيح مفاهيمهم «الضالة»، إنما كانوا واضحين وعمليين وسريعى الحركة، لأن التجنيد لصالح هذه الخلايا الإرهابية لا يتم عبر كتب الفقه والتفسير، إنما عبر الإنترنت ولأسباب بالأساس غير عقائدية، إنما اجتماعية ثقافية فى أوروبا، وسياسية اجتماعية فى مصر، وثقافية اجتماعية فى تونس، وطائفية سياسية فى العراق، ووجدت ضالتها أو مبررها فى قشور دينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر من مانشستر إلى المنيا الإرهاب مستمر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon