بقلم: عمرو الشوبكي
فى الحرب الروسية- الأوكرانية فارق القوة العسكرية لصالح روسيا، ولكن فى الحرب غير المعلنة بين أمريكا والاتحاد الأوربى وبين روسيا، فإن فارق القوى لصالح التحالف الغربى، ولكنه لا يستطيع أن يتجاهل قوة روسيا وأوراقها المؤثرة.وكانت روسيا قد قررت مؤخرًا خفض الغاز الطبيعى الذى ترسله إلى أوروبا عن طريق إغلاق توربين واحد على خط أنابيب «نورد ستريم 1»، بما يعنى احتمال ارتفاع أسعار الغاز العالمية مرة أخرى، وسط مخاوف متجدّدة من حدوث نقص فى إمدادات الغاز لأوروبا التى تخشى من قضاء شتاء قارس هذا العام.
ويمتد خط أنابيب «نورد ستريم 1» على عمق 1200 كيلومتر تحت بحر البلطيق من الساحل الروسى بالقرب من سانت بطرسبرج إلى شمال شرق ألمانيا، وهو أحد المصادر الرئيسية للغاز فى أوروبا.
والحقيقة أن روسيا استخدمت ورقة الضغط العسكرى على أوكرانيا وسيطرت على خُمس أراضيها وتعانى من صعوبات عسكرية نتيجة المساعدات العسكرية الأمريكية الكبيرة التى قُدمت لأوكرانيا، وشملت مزيدًا من صواريخ جافلين، وأسلحة مضادة للدروع وطائرات استطلاع مُسيرة ومدفعية ومعدات لإزالة الألغام. بهدف وقف تقدم القوات الروسية داخل الأراضى الأوكرانية، وهو ما حدث بدرجة كبيرة. لم تتراجع روسيا عسكريًا فى الفترة الأخيرة ولكنها لم تتقدم، ولذا حرصت على توظيف أوراق قوتها الاقتصادية رغم العقوبات المفروضة عليها، فأغلقت فى شهر يوليو الماضى خط الأنابيب لمدة ١٠ أيام، وعاد للعمل بنسبة 20 فى المائة فقط، ثم عادت أمس الأول وأغلقته مرة أخرى.
وكما تضغط أوروبا وأمريكا على روسيا بأوراق العقوبات الاقتصادية، فروسيا أيضًا تضغط بورقة اقتصادية شديدة الأهمية وهى ورقة الغاز، التى ستؤثر حتمًا على معيشة الأوروبيين بعد زيادة أسعاره بنسبة 400 فى المائة، وهو ما يهدد بحدوث أزمة خلال أشهر الشتاء، وقد يُجبر الحكومات الأوروبية على إنفاق المليارات لتخفيف عبء هذا النقص، خاصة فى ظل عدم قدرة الغاز الخليجى والجزائرى على تعويض إمدادات الغاز الروسى. والحقيقة أن أوروبا تعتمد على ما يقرب من 40% من طاقتها على روسيا، وهذا ما جعل المستشار الألمانى أولاف شولتس يقول: «تعمدت أوروبا استثناء إمدادات الطاقة الروسية من العقوبات لأن ذلك سينعكس بشدة على اقتصاد الدول الأوروبية».
ما تصورته أمريكا وأوروبا بأنهما تمتلكان أوراق ضغط منفردة على روسيا بحظر بعض وارداتها ووقف التصدير إليها، اكتشفا أن الأخيرة تمتلك أيضًا أوراق ضغط ستضر بأوروبا، خاصة ورقة الغاز.
لا توجد أى مؤشرات على أن هناك من سينتصر بشكل كامل فى هذه الحرب، وإن كان وعى التحالف الغربى أن روسيا دولة قوية لديها أوراق ضغط اقتصادية وعسكرية ربما يدفعه للتفاهم وتقديم تنازلات، كما قال هنرى كيسنجر عن الشرق الأوكرانى المرتبط أغلب شعبه ثقافيًا ولغويًا بروسيا.