بقلم: عمرو الشوبكي
رغم قوة اليسار الثورى والشيوعى تاريخيًا فى فرنسا، ورغم قوة اليمين المتطرف فى الوقت الحالى، إلا أن إدارة الحكم فى فرنسا منذ تأسيس الجنرال ديجول الجمهورية الخامسة فى 1958، حتى الآن، كانت دائمًا من نصيب يمين الوسط أو يسار الوسط، حتى لو اعتبر كثيرون أن لحظة وصول الزعيم الاشتراكى الراحل فرانسوا ميتران إلى السلطة عام 1981 كانت حكم يسار حقيقيًا (شارك 4 وزراء شيوعون فى الحكومة فى ذلك الوقت)، وقام ميتران بتأميم عدد من المؤسسات الكبرى، وحاول أن يوحد نظام التعليم ويلغى التعليم الخاص والدينى، وسرعان ما تراجع عقب مظاهرات صاخبة، وانتقل بعدها حكمه الذى امتد لمدتين إلى يسار الوسط.
بالمقابل، فإن حكم الزعيم ديجول وحكم تياره «الديجولى» الذى حكم بعد رحيله، باستثناء فترة ميتران، صُنف كيمين، ولكنه كان يمين وسط، خاصة فترة الرئيس الراحل جاك شيراك، الذى تمتع بحضور كبير فى أوساط الطبقات الشعبية.
أما فى هذه الانتخابات فمن الواضح أن قوى الوسط أو التيار الرئيسى الذى كان يضم تاريخيًا اليسار الاشتراكى واليمين الديجولى، قد تراجعت لصالح تيار وسط رئيسى ممثل فى الرئيس إيمانويل ماكرون وحزبه «فرنسا إلى الأمام»، ويضم خليطًا من اليمين واليسار التقليدى، فى نفس الوقت فقد تراجع الحزب الاشتراكى الفرنسى بصورة كبيرة، ولم تنل مرشحته فى انتخابات الرئاسة «آن هيدالغو» إلا حوالى 3% من استطلاعات الرأى، كما تحاول مرشحة حزب الجمهوريين (اليمين الديجولى)، فاليرى باكريس، أن تصل إلى جولة الإعادة بعد أن تأرجحت بين المركزين الثالث والرابع.
أما ما يُصنف على أنه قوى تطرف شعبوية يمينًا ويسارًا، فلأول مرة تقترب هذه النسبة من نصف عدد الناخبين، وهو أمر لم تشهده فرنسا طوال تجاربها الانتخابية السابقة.
ورغم أن قدرة اليسار المتطرف واليمين المتطرف على الحشد الانتخابى (وليس بالضرورة التصويتى) أكبر من قوى الوسط يمينًا ويسارًا، فمؤتمر مرشح حزب أقصى اليسار «فرنسا الأبية»، جان لوك ميلنشون، فى ساحة الجمهورية، الأسبوع الماضى، ضم 100 ألف مناصر، فى حين أن مؤتمرات مرشحى الوسط لم يتجاوز الحضور فيها 10 آلاف شخص.
وتتراوح النسبة التى يتوقع أن يحصل عليها ميلنشون بين 13% و14%، وهو لايزال يتنافس على المركز الثالث مع مرشح اليمين المتطرف إريك زامور، فى حين تتقدم عليهما مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بنسبة تتراوح ما بين 17% و18%.
ستجرى جولة الإعادة للمرة الثالثة بين مرشح يمكن وصفه بأنه مرشح يمين وسط، أى الرئيس الحالى ماكرون، فى مواجهة لن تكون مع مرشح يسار وسط كما جرت العادة، إنما فى مواجهة مرشحة اليمين المتطرف، حتى لو حاول مرشح أقصى اليسار إزاحتها فسيظل المزاج العام أقرب لجولة إعادة بين يمين ويمين متطرف.