توقيت القاهرة المحلي 21:41:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العين الواحدة

  مصر اليوم -

العين الواحدة

بقلم : عمرو الشوبكي

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بعينين ليرى بهما كل ما حوله، وحكمة الرب أنه لم يخلق الناس بعين واحدة لتبقى رسالة إلهية خالدة للبشر: لا تنظروا لأمور دنياكم بعين واحدة.

مجتمعاتنا العربية عامة- ومجتمعنا المصرى خاصة- ترى منذ عقود بعين واحدة، وفى السنوات الأخيرة تحولت تلك العين إلى أداة لبَثّ الكراهية والتحريض والانحياز الفَجّ لشخص أو نظام أو جماعة، والتحريض على أخرى، حتى لو كانت صورة من الأولى التى يهلل لها أصحاب العين الواحدة.

التحولات التى شهدتها مصر فى السنوات الخمس الأخيرة حادّة ومتسارعة، لكنها خلقت قراءات مشوهة للواقع السياسى، تُزوِّر فى الوقائع والأحداث، وتُحوِّل الأرقام المحايدة إلى وجهات نظر، حتى مبادئ دولة القانون واحترام أحكام القضاء وكل البديهيات المطلوبة لنجاح أى نظام سياسى (حتى لو أنه غير ديمقراطى) تغيب تماما فى مثل هذه الأجواء.

يقيناً الأوضاع العربية والشرق أوسطية حملت رسائل من عدم اليقين لكل الاتجاهات، ومثّلت فرصة حقيقية لمراجعة البعض أفكاره الأحادية، ولكن ذلك لم يحدث بالنسبة لكثيرين.

ففى الستينيات كان العالم منقسما بين الاشتراكية والرأسمالية، وكان الدفاع عن الأولى يعنى تبَنِّى عقيدة سياسية ترى الإيجابيات وتحُول دون رؤية السلبيات، ونفس الأمر بالنسبة لليبرالية، فإن الشخص اختار فكرة نظرية قبل شواهد وتجارب على الأرض.

ومع سقوط الأيديولوجيات- أو بمعنى أدق إعادة بنائها وتعريف دورها فى الحياة السياسية، بعد أن أصبحت إطارا فكريا عاما ورحبا وبوصلة لتحديد التوجهات والبرامج وليست نصوصا مغلقة يرددها الناس مثل أناشيد الصباح- أصبحت أمام الجميع فرصة واقعية لقراءة الواقع السياسى والاجتماعى المحيط بعينين وليس بعين واحدة، وهم متخلصون من الأنماط الأيديولوجية الجامدة.

وقد تغيرت الأوضاع فى العالم كله للأفضل إلا فى منطقتنا العربية المنكوبة (باستثناءات قليلة أبرزها تونس)، وتعمقت قراءات العين الواحدة فى التعامل مع كل الأحداث، ففى مصر هناك انقسام سياسى عميق بين أغلبية أيدت مسار 30 يونيو وأقلية عارضته، وانقسام تاريخى بين التيارين المدنى والإسلامى، وانقسام جديد بين معارضين من خارج الإخوان (يبدو أنهم فى طريقهم لأن يصبحوا أغلبية) وبين مؤيدين، وبين عقلاء وناس طبيعيين يشغلون أدمغتهم من كل الاتجاهات، وبين بؤساء ممسوحة عقولهم.

وتغيرت مصر للأسوأ، واعتمدت العين الواحدة فى قراءة الأحداث الداخلية والخارجية، ليس بسبب تبَنِّى عقيدة سياسية بعينها كما جرى فى القرن الماضى، إنما بسبب ترسُّخ خطاب الكراهية والتحريض وانتشار العقول الممسوحة، وأصبح هناك قطاع من الناس ضد نفسه وضد إرادته، فالبعض وصلت به كراهيته للتغيير- أو العيش بكرامة أو القول كفى أن يحكمنا رئيس 30 عاما- إلى أن اعتبر ثورة يناير مؤامرة، ومارس سبّا فى حقها وحق نفسه، صحيح أنها لم تحقق أهدافها، وصحيح أن الإخوان أرادوا اختطافها لحسابهم، ولكن رسالة يناير انتهت بتنحى مبارك فى 11 فبراير، والفشل الذى جرى بعده يتحمله الجميع، بما فيهم نظام مبارك نفسه، الذى لم يفتح الباب أمام فرصة الإصلاح من داخله.

نفس العين الواحدة تكررت مع «30 يونيو»، فهناك أغلبية أيدتها وأقلية عارضتها، ومع ذلك سنجد البعض اعتبر أن تصفية أى مدنى معارض (إخوانى أو غير إخوانى) مقبولة، وسيغمض العين عنها، لأن المعارض لابد أن يكون خائنا للوطن، صحيح أن هذا الخطاب تراجع، ولكن كثيرا من رموزه هللوا لضحايا كثيرين لم يحملوا السلاح، حتى لو تظاهروا واعتصموا فى المكان الغلط، ولم يُفتح هذا الملف حتى هذه اللحظة، وتُرك لجروح تتعمق كل يوم.

العين الواحدة دفعت بعض أنصار الحكم إلى المطالبة بإبادة الجميع، ونالوا حصانة مؤكدة، واستباحوا كل القيم النبيلة التى عرفنا كثيرا منها فى سنوات سابقة، وأصبحوا لا يقبلون وجود معارضة مدنية أو إسلامية أو ثورية أو حتى تأييد عاقل، إنما فقط المبايعة والتطبيل. والغريب أن جماعة الإخوان تمسكت بنفس خطاب خصومها فى التعالى على الشعب، ولم ترَ كل الأحداث إلا بعين واحدة، ودفنت رأسها فى الرمال.

فقد ظلت الجماعة تعتبر «30 يونيو» انقلابا، وتصف الجيش بـ«العسكر»، ولم ترَ منذ 3 يوليو إلا نفسها، واختزلت كل نشاطها فى الانتقام من النظام القائم دون أدنى تفكير فى أن هناك مواطنين مصريين كاملى الحقوق والواجبات وليسوا انقلابيين، ولم يقتلوا فى حياتهم بعوضة، رفضوا حكمهم، ومؤسسات دولة على استعداد لأن تصل إلى أقصى درجات القسوة حتى لا يفكر الإخوان مرة أخرى فى الاقتراب من السلطة.

خطاب هلاك الانقلاب وسقوط الانقلابيين لا يملك الإخوان غيره منذ 3 يوليو، لأنهم لم يروا ولن يروا عموم الناس، ولو فعلوا ذلك فسيضطرون للاعتراف بفشلهم أو على الأقل بمسؤوليتهم عن الفشل، وسيضطرون إلى مراجعة عميقة لمسار الفشل، قد تؤدى إلى تجاوز صيغة الجماعة القديمة تماما، وهو أمر لا يرغب فيه قادتها، ولذا اختاروا مواجهة السلطة بالعنف حتى يتم إنهاكها وتقبل بالتفاوض معهم، وهو سيناريو مستبعد.

العين الواحدة لا تعترف بالبشر والشعب، إنما تختزل المعادلة فى السلطة الحاكمة والجماعة المعارضة، وما بينهما من مؤيدين ومعارضين وحواضن شعبية وأنصار لكل تيار هى أمور ليست فى الحسبان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العين الواحدة العين الواحدة



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 20:39 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 21:19 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يرد على تصريحات المخرج محمد سامي

GMT 01:56 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

كأس المدربين وليس كأس الأبطال..

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 19:58 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

حسين الشحات مهدد بالحبس فى أزمة الشيبى

GMT 00:21 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

أسعار الدولار في البنوك المصرية الأحد

GMT 00:41 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

ريال مدريد يزيل "راموس" من موقعه الرسمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon