بقلم : عمرو الشوبكي
تصنف النظم السياسية إما على أنها نظم شمولية (Totalitarian) أو سلطوية (Authoritarian)، أو ديمقراطية (Democratic)، وفى داخل كل نظام توجد تصنيفات فرعية اعتاد أن يصيغها الباحثون تبعًا للمنهج المستخدم والانحياز السياسى، فداخل النظم الديكتاتورية هناك نظم فاشلة لا تنجز فى الاقتصاد كما فى السياسة، وفى داخل النظم الديمقراطية هناك نظم فشلت فى الاقتصاد والتنمية حتى لو نجحت فى ضمان حرية الرأى والتعبير.
فمثلا الأدبيات الغربية تصنف نظام عبد الناصر فى مصر بالنظام السلطوى، ولكن هناك مدارس ربطت موقفها منه بقدرته على الإنجاز، ولذا سنجد كثيرين يصنفونه رغم عدم ديمقراطيته بأنه نظام تحرر وطنى أو اشتراكى أو تقدمى، لأنه من الأصل اختار إطارا قيميا وسياسيا لم يعتبر فيه الديمقراطية أولوية، إنما الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية.
نفس الأمر ينطبق ولو بصورة مختلفة على قوة عظمى مثل الصين، فقد اختارت النظام الاشتراكى كطريق للتنمية الاقتصادية والحزب الواحد (الحزب الشيوعى) كإطار سياسى يستوعب كل الجدل والحوارات داخل المجتمع، وأصبحت الصين فى ظل هذا النظام غير الديمقراطى واحدا من أقوى اقتصاديات العالم وأكثرها تقدما صناعيا وعسكريا.
وتحكم الصين من خلال نظام الحزب الواحد منذ 71 عاما، وهو الحزب الشيوعى الصينى الذى يضم حاليا حوالى 90 مليون عضو، أى أكثر من 5% من عدد السكان، وهو بذلك يعد أكبر حزب سياسى فى العالم، ويبدى الحزب مرونة كبيرة فى توجهاته السياسية داخل المناطق الريفية، حيث تعيش غالبية سكان الصين.
وعقيدة الحزب تقوم على تبنى «الاشتراكية بطبعة صينية»، وتقوم على أربعة مبادئ أساسية ليس بينها نظريات المؤامرة والكلام الفارغ، أولها التمسك بخط الحزب الشيوعى، والثانى- وهى نقطة فى غاية الأهمية- يقوم على «تحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع»، والثالث التمسك بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص لا إهانته باعتباره جاهلا وقاصرا، وأخيرا التمسك بنظام المركزية الديمقراطية، أى إجراء نقاش حقيقى داخل كل وحدة حزبية صغيرة ولو فى قرية نائية، وبعدها يتم الالتزام بقرار قيادة الحزب.
صحيح أن النقاش العام فى بلد مثل الصين لا يمس القضايا الكبرى، إنما يناقش التفاصيل اليومية المتعلقة بقضايا المواطنين، ولكنه يشعرهم بأن لهم دورا فى كثير من السياسات، وخاصة المحلية.
إن النقاش الذى يجرى فى العالم بين تيارين أولهما يرى أن الديمقراطية شرط للتنمية والتقدم وآخر يرى أن الديمقراطية ليست شرطا للتقدم، إنما قدرة أى نظام على الإنجاز، ومثل النموذج الصينى قوة حقيقية لأصحاب هذا الاتجاه.
إن محددات النجاح هى احترام النظم السياسية للإطار القانونى والدستورى الذى تنطلق منه وقدرتها على الإنجاز والتنمية الحقيقية، وتبقى أزمة كثير من النظم العربية فى هذا الإطار، أى قدرتها على الإنجاز قبل ديمقراطيتها أو شموليتها