بقلم : عمرو الشوبكي
لكل دولة أدوات قوة خشنة وناعمة، والمؤكد أن تركيا من البلاد التى ظلت تعتمد على قوتها الخشنة فى حسم العديد من الصراعات داخلها وخارجها، وفى القلب منها قضية الأكراد.
والحقيقة أن غزوة أردوغان لشمال سورية هو امتداد لغزوة أخرى سابقة سيطر فيها على شريط حدودى فى منطقة عفرين السورية منذ أكثر من عام، لذا لا يبدو الأمر غريبا أن يكرر أردوغان فعلته مرة أخرى حتى لو أدانتها أصوات الضمير فى كل مكان فى العالم، ورفضها العرب والأكراد، وتظاهر ضدها فى أوروبا اليساريون والحقوقيون، فإن تركيا تمتلك أدوات قوة تستطيع أن تفرض بها أمرا واقعا على الأرض حتى لو رفضها العرب والغرب قولًا لا فعلًا.
والحقيقة أن أردوغان تبنى مثل أمريكا وبعض الدول العربية استراتيجية إسقاط النظام السورى، وعجز عن تنفيذها على أرض الواقع عقب خسارة كل من الفصائل المسلحة المدعومة أمريكيًّا وتركيًا والجماعات التكفيرية المدعومة سابقًا من بعض الدول العربية وتركيا، الحرب فى مواجهة النظام.. والأهم أن الجميع فشلوا أيضا فى إحداث أى تغيير من داخل النظام بإقصاء بشار الأسد والحفاظ على الدولة السورية، وهو المشروع الذى كان قريبا من النجاح لو كانت أمريكا ومعها القوى الإقليمية وضعته على سلم أولوياتها بدلًا من دعم التغيير عبر القوى المسلحة الذى دمر سوريا وقضى على الجانب المدنى فى انتفاضاتها.
واللافت أن تركيا هى الدولة الوحيدة التى حملت مشروع إسقاط النظام السورى، وفى نفس الوقت نجحت فى تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية، فقد وظفت قضية اللاجئين السوريين المقيمين على أرضها لتحقيق مكاسب اقتصادية من الاتحاد الأوروبى، كما استطاعت أن تفرض شروطها فى شمال تركيا رغم الإدانات الدولية.
إن العدوان التركى الحالى هو بالأساس محصلة الغياب السياسى والدبلوماسى العربى عن سوريا، الذى اتضح منذ أن صارت روسيا وتركيا وإيران هم المتحكمون فى مسار هذا البلد العربى العظيم.
علينا ألا ننسى أن كل الاجتماعات التى جرت لمناقشة الأوضاع فى سوريا جرت بدون حضور عربى يذكر، فقد شهدت مدينة الآستانة 13جولة مفاوضات، آخرها فى شهر أغسطس الماضى، وكذلك استضافت أنقرة وطهران وموسكو عشرات الاجتماعات لتقرير مصير سوريا دون أى حضور عربى، فى سابقة صادمة لم تحدث فى تاريخ العرب المعاصر.
ليس مطلوبًا أن يكون العرب مؤثرين فى أمريكا الجنوبية أو آسيا، إنما يجب أن يكونوا مؤثرين على أرضهم، ولكن أن يغيبوا عن بلد كان يسمى قلب العروبة النابض ويصبح مصيره فى يد الأتراك والروس والإيرانيين، فتلك مأساة نتيجتها غزوة أردوغان.
إدانتنا القاطعة لهجوم أردوغان على شمال سوريا والجرائم الإنسانية المصاحبة له يجب أن تسبقها إدانة لأوضاعنا التى جعلت دول الجوار تستبيحنا فى الأرض والمياه.