بقلم : عمرو الشوبكي
الهجوم الكبير الذى شنته القوات التركية على مواقع النظام السورى فى الشمال السورى وفى محيط مدينة إدلب عقب قتل الجيش السورى 33 جنديًا وضابطًا تركيًا، أعاد للواجهة مشهد الحرب بالوكالة التى تجرى فى سوريا.فلولا الدعم التركى لفصائل المعارضة المسلحة فى سوريا لما بقيت إدلب تحت سيطرتها (مع مناطق سورية أخرى)، ولولا الدعم الروسى- الإيرانى للنظام السورى لسقط منذ سنوات.معركة إدلب كشفت بشكل مباشر حقيقة المعادلات المسيطرة على الوضع فى سوريا، حيث اتضح للجميع أن قوة الفصائل المسلحة أساسا من قوة تركيا، كما أن قوة النظام هى أساسا من قوة روسيا، وأن الاشتباكات التى جرت بين الجيشين السورى والتركى أوصلت الجميع أمام حقيقة توازن القوى فى سوريا، أى بين روسيا وتركيا.
والسؤال المطروح: هل ستدخل تركيا فى مواجهة عسكرية مع روسيا أم ستكتفى بتوجيه ضربات للنظام السورى؟.. الواضح حتى الآن هو حرص البلدين على استبعاد المواجهة المباشرة.. صحيح أن التدخل التركى هذا الأسبوع أسفر عن عودة قوات المعارضة المسلحة إلى السيطرة على بعض المناطق فى ريف إدلب التى سبق أن دخلتها قوات النظام الشهر الماضى، وصدور تحذيرات روسية بأنها لم تعد مسؤولة عن سلامة القوات التركية، إلا أن ذلك لا يعنى أن المواجهة العسكرية بينهما حتمية.
والحقيقة أن تشابكات العلاقات الروسية- التركية كثيرة، فالأخيرة تمسكت بصفقة صواريخ مع روسيا (S400) أدت إلى توتر علاقتها بحلف الأطلنطى وأمريكا، كما دعمت علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع روسيا، وفى نفس الوقت حافظت على وجودها فى حلف الأطلنطى.
أوراق تركيا فى معركة إدلب كثيرة، أبرزها ورقة المهاجرين السوريين التى تضغط بها على أوروبا والعالم، كما أن لديها حدودًا مشتركة مع سوريا مما يعطيها أفضلية لوجستية فى تحريك قواتها البرية داخل الأراضى السورية المنتهكة من الجميع بكل أسف.
أما روسيا فهى بالتأكيد تتفوق على تركيا عسكريًا، إلا أنها لا تنوى إرسال قوات برية إلى سوريا وستكتفى بالضربات الجوية وبدعم قوات النظام بالأسلحة والعتاد الحربى.
لا يوجد قرار استراتيجى روسى أو تركى بالمواجهة العسكرية بينهما، بل العكس، فالقرار الاستراتيجى هو تلافى هذه المواجهة، وستبقى الأزمة الحقيقية أن صيغة اتفاق سوتشى نفسها التى تنص على التمييز بين المعارضة المسلحة المعتدلة (تُبقى عليها) والمتطرفة (تُفككها) لم تعد صالحة، والمطلوب معادلة سياسية جديدة تقوم على تفكيك حقيقى للمعارضة المسلحة، معتدلة أو غير معتدلة، وإنهاء وجودها العسكرى من الأساس، فى مقابل أن يلتزم النظام بأمن كل سكان إدلب والمناطق التى سيطرت عليها المعارضة المسلحة، وأن يبدأ بقبول وجود معارضة سلمية بلا سلاح يعطيها الحق فى الحياة والأمن فى مقابل إقصاء كامل للدواعش والتكفيريين.