بقلم - عمرو الشوبكي
رحل حسين عبدالرازق، أحد الرموز الصحفية والسياسية المصرية، عن عمر ناهز 82 عاماً، تاركاً وراءه مئات المقالات وعشرات المواقف، وإرثاً سياسياً محترماً قد يُختلف معه فى جوانب ولكن لا يُختلف عليه.
ولأن دائرة الأجيال فى مصر تدور بسرعة الضوء، فقد أصبح البعض يتحدث عن جيلنا على أنه جيل الكبار، «جيل العقدين الخامس والسادس»، فى مواجهة جيل شاب، وكثير ممن كنا نعتبرهم شباباً أصبحوا الآن رجالاً ناضجين فى نهاية الثلاثينيات، وظهر لهم شباب أيضاً ينتقدونهم أحياناً ويزايدون عليهم أحياناً أخرى.
والحقيقة أن حسين عبدالرازق لم يكن بالنسبة لأبناء جيلى ومعظم الأجيال الشابة محل مزايدة، فقد كان من الرموز الكبيرة منذ أن كنت طالباً فى الجامعة حتى بداية حياتى السياسية والبحثية والصحفية، وعلاقته بالجيل الأصغر سناً كانت دائماً محترمة، فهناك من الجيل الأكبر مَن نفّروا مَن حولهم، خاصة من الشباب، وتعاملوا معهم باستعلاء وتجاهل، والحقيقة أن «الأستاذ حسين»- كما كنا نناديه- لم يكن ضمن هؤلاء، فحتى فى المرحلة التى لم تربطنى به أى معرفة شخصية كان محل محبة وتقدير.
أذكر جيداً أنى كتبت مقالة فى عهد مبارك منتقداً فيها أداء الأحزاب، ورَدّ الرجل بمقالة أخرى دون استعلاء أو تجاهل، وكان وقتها رئيس تحرير الأهالى، وكان أيضاً من الكُتاب الأوائل فى «المصرى اليوم»، ثم ترأس تحرير «شهرية اليسار» التى تمسك بصدورها فى وقت جزر وعداء لليسار والاشتراكية.
وجاءت فرصة لجنة الخمسين لكى أقترب من الرجل وأتزامل معه أكثر من ثلاثة أشهر، وكان مثقفاً حقيقياً صاحب رؤية واضحة لا يحب الثرثرة والكلام المكرر مثلما يتهم البعض أهل اليسار، له بصمة واضحة على مجموعة من المواد فى باب الحريات وما يتعلق بالتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية.
ولو كان حياً بيننا لكان قد رفض أى تعديلات دستورية تتعلق بفتح مدد الرئاسة أو الانتقاص من باب الحريات والعدالة الاجتماعية، «هو عبّر عن رفضه أى تعديلات دستورية فى هذا الشأن».
حسين عبدالرازق لم يكن ضمن هؤلاء الذين لا تُفهم تحوُّلاتهم الفكرية والسياسية لأن هناك منصباً لاح فى الأفق أو مكسباً صغيراً اقترب، فقد حافظ على خطه الاشتراكى اليسارى، وجدّد فيه، وراجع بعض مواقفه، وأكيد أخطأ وأصاب، ولكنه لم يكن بين هؤلاء الذين أيّدوا كل العصور من عبدالناصر إلى السادات ومن الإخوان حتى السيسى.
حسين عبدالرازق مثل صلاح عيسى وعبدالعال الباقورى وآخرين رحلوا عن عالمنا هذا العام، وتركوا كتابات كثيرة، والأهم مواقف مبدئية تقول إن هناك فى مصر رجالاً حملوا فى أيديهم مسطرة واحدة: هى ما يقتنعون به من أفكار، فلا يطوعونها لصالح حاكم أو سلطة أو مال، فنالوا احترام الجميع.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع