بقلم : عمرو الشوبكي
خطاب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الذى تحدث فيه عن «الانفصالية الإسلامية» (le séparatisme islamiste) أى انفصال الإسلاميين عن قيم المجتمع الفرنسى ومبادئ الجمهورية العلمانية، حديث هام وذو دلالة، ويستحق نقاشا موسعا عربيا وأوروبيا.
فقد تحدث ماكرون عن جانبين فى خطابه: أحدهما يتعلق بالأسباب التى جعلت ما وصفه بالانفصالية الإسلامية واقعا حيا وأرجعه بشكل أساسى إلى «أزمة فى الإسلام» على حد وصفه، وهو التعبير الذى أثار انتقادات واسعة فى أوساط كثير من المسلمين، أما الجانب الثانى فهو الجانب الإجرائى أى المتعلق بالسياسات التى تنوى فرنسا اتباعها وتتعلق بإعداد وتكوين الأئمة والدعاة داخل مؤسسات فرنسية وليست عربية أو إسلامية، ومنع حصول الجمعيات والمؤسسات الإسلامية فى فرنسا على تمويل أجنبى من بلاد إسلامية، وتكرار ما تم الحديث عنه منذ عقود عن تكوين «الإسلام الفرنسى» أو الأوروبى غير المتعارض مع قيم الجمهورية ومبادئ العلمانية.
والحقيقة أن معضلة خطاب ماكرون تكمن فى أنه خلط بين انفصالية الإسلاميين المتطرفين وبين المسلمين المحافظين أو المتدينين والفارق بينهما هائل حتى لو لم تكن العلمانية الفرنسية مرحبة بالجانب الثانى، إنما عليها أن تتعامل معه لأنهم جزء من تنوع المجتمع الفرنسى الحالى، وبشرط أن يحترموا قوانينه، أما انفصالية التطرف والإرهاب فهى فى الحقيقة ليست فى أغلب جوانبها نتاج خطاب الأئمة ولن يغير واقعها كثيرا أن يكون هناك أئمة معتدلون أو متشددون، أو أئمة تعلموا فى بيت الوسطية والاعتدال أى الأزهر، أو تعلموا فى أوروبا وفى معاهد «الإسلام الفرنسى» لأن معظمهم لم يتطرف نتيجة أفكار وتفسيرات فقهية متطرفة إنما لأسباب أساسًا اجتماعية واقتصادية وتهميش مجتمعى وفشل دراسى ومهنى. والحقيقة أن كل الدراسات المعاصرة التى خرجت عن عناصر التطرف والإرهاب باسم الإسلام فى الغرب تقول إنهم فى غالبيتهم العظمى يتسمون بهذه الصفات:
- مواطنون فرنسيّون من أبناء المهاجرين.
- من ساكنى الضواحى الباريسيّة.
- لم ينجح أغلبهم فى الانخراط فى المسارات الاقتصادية والإنتاجيّة الكلاسيكيّة داخل المجتمع الفرنسى.
- انقطاع أغلبهم عن التعليم مبكرا أو عدم تمكنهم من الالتحاق بالتعليم العالى.
- تتراوح أعمارهم بين الثالثة والعشرين والواحدة والثلاثين عاما.
- معروفون لدى السلطات الأمنيّة قبل سنة 2012 لارتكابهم عددا من جرائم الحقّ العام كتعاطى المخدّرات والسرقة والمشاركة فى أعمال إجراميّة.
والسؤال: هل يفرق مع هؤلاء المجرمين المتطرفين الخطاب الدينى المعتدل أو المتطرف؟ فكثير منهم لم يدخل مسجدا أصلا، وهل يمكن أن نختزل «الانفصالية الإسلامية» فى بعديها الدينى والفقهى فقط، فنتصور أن حلها سيكون بإعداد فرنسى للدعاة وخطاب دينى منسجم مع العلمانية؟ أم أنها قضية اجتماعية وسياسية بالأساس؟ وهو ما يجب التركيز عليه أى البحث فى الدوافع الاجتماعية وراء «الانفصالية الإسلامية» وليس فقط أو أساسا الدينية.