بقلم:عمرو الشوبكي
أخطر ما جرى فى السودان فى أعقاب سقوط حكم الرئيس البشير فى ٢٠١٩، وكان أحد أسباب الاقتتال الأهلى، هو التركيز على إقصاء الأفراد الذين اعتُبروا جزءًا من النظام القديم دون الاهتمام بتغيير أو إصلاح المنظومة القديمة، فتحول الأمر إلى تصفية حسابات، أدت إلى احتقان سياسى، أدى مع أسباب أخرى إلى مواجهات مسلحة.
والحقيقة أن كثيرًا من تجارب التغيير العربية، ومنها مصر وتونس والسودان، تعاملت مع ما اصطُلح على تسميتهم رجال النظام السابق (الفلول) بطريقة فيها أوجه قصور جسيمة، فاستهداف الأشخاص لمجرد أنهم انتموا إلى مؤسسات الدولة القديمة، وحتى لو لم يرتكبوا أى جرائم، كان خطأ فادحًا، وخرجت قوانين للعزل السياسى فى أكثر من تجربة عربية، وتم استدعاء نظريات ثورية من متاحف التاريخ حدث فيها إقصاء وتنكيل برموز النظام القديم، كما جرى فى الثورة الشيوعية فى روسيا والصين.
والحقيقة أن تجارب التغيير والتحول الديمقراطى المعاصرة التى جرت فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وبعض بلدان إفريقيا وآسيا تجاوزت ما جرى فى الثورات التاريخية الكبرى، وأقصت فقط مرتكبى الجرائم من رجال النظام القديم، وليس أعضاء الأحزاب القديمة، بل إن كثيرًا منهم دخلوا فى المنظومة الجديدة دون أى مشاكل أو قيود.
فعلى سبيل المثال لا الحصر مستشارة ألمانيا السابقة، «آنجيلا ميركل»، كانت من «فلول» النظام القديم لأنها كانت عضوًا فى الحزب الشيوعى فى ألمانيا الشرقية، والذى اختفى ومعه البلد بأكمله لصالح منظومة جديدة أسست لألمانيا الموحدة، وكانت إحدى قادتها المستشارة السابقة.
إن عملية الإصلاح فى التجارب، التى أسست لدولة قانون ونظم ديمقراطية، هى التى حاسبت مرتكبى الجرائم من رجال النظم القديم، ولم تصف الحسابات أو تنتقم من الأشخاص، وعملت على وضع منظومة جديدة.
إن معضلة أى تجربة ترغب فى بناء نظام جديد تكمن فى قدرتها على تفكيك المنظومة القديمة، وليس استسهال الأمر بإقصاء بعض قيادات النظام القديم والإبقاء على المنظومة القديمة دون تغيير، كما حدث فى السودان، فى حين أن التحدى الحقيقى يكمن فى قدرة أى نظام جديد على تفكيك المنظومة القديمة، التى اعتُبرت سيئة وفاسدة وإقامة منظومة جديدة كفؤ تساعد على التقدم وبناء دولة القانون.
يقينًا هناك أسباب كثيرة للاقتتال المسلح فى السودان، لكن أبرزها هو فشل المسار الانتقالى نتيجة انشغال جانب من القوى المدنية باستهداف عناصر كثيرة صُنفت باعتبارها جزءًا من النظام القديم، ولم تعالج أوجه الضعف والقصور فى أدائها طوال المرحلة الانتقالية وحالة السيولة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات إصلاحية جريئة تؤسس لمرحلة جديدة.
السودان يحتاج إلى توافق على بناء ملامح منظومة جديدة توقف الحرب وتنقذ الشعب.