توقيت القاهرة المحلي 22:16:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العبور إلى الضفة الأخرى

  مصر اليوم -

العبور إلى الضفة الأخرى

بقلم : عمرو الشوبكي

انقسمت مصر عقب 30 يونيو بين أغلبية أيَّدت إسقاط حكم الإخوان وقبلت بتدخُّل الجيش، وأقلية قادتها جماعة الإخوان رفضت كل ترتيبات 3 يوليو، ومازالت تعتبر مرسى رئيساً شرعياً، وكأن الشعب لم يرفض حكمه إنما فقط «العسكر»، وكأنه لم يصدر إعلان دستورى يعطيه صلاحيات مطلقة، ورتَّب هو وجماعته للبقاء الأبدى فى السلطة وإقصاء كل المخالفين.

يقيناً، معادلة الأغلبية والأقلية تغيَّرت الآن، ولكن من زاوية واحدة تمثَّلت فى تراجع المؤيدين للرئيس السيسى بصورة كبيرة دون أن يعنى ذلك أنهم ذهبوا للإخوان، فكثير من رموز ومؤيدى التيار المدنى من كل الأجيال ومن كل الأعمار، بمن فيهم المؤيدون لثورة 25 يناير، ترحَّموا على أيام مبارك لا الإخوان الذين بقوا بالنسبة لكثيرين بمثابة الضفة الأخرى التى لا يجب الاقتراب منها ولا العبور إليها أو التحالف معها، خاصة بعد الحواجز التى تعمَّقت فى السنوات الأخيرة نتيجة خطاب الشماتة الإخوانى فى أى مصيبة تلحق بالشعب المصرى والتحريض على العنف، بل ممارسته فى كثير من الأحيان.

ومع ذلك عرفنا فى «المصرى اليوم» تجربتى عبور من ضفة إلى أخرى، إحداهما كانت عبوراً مؤقتاً للكاتب الصحفى الموهوب سليمان الحكيم، الذى ذهب لاسطنبول وظهر فى أكثر من قناة محسوبة على الإخوان، ودعاه أيمن نور على الغداء فى أحد مطاعم العاصمة التركية، (نشر الرجل الصورة بشجاعة على صفحته)، وعاد أمس الأول بسلامة الله لأرض الوطن.

وشاهدت معظم حوار الأستاذ سليمان مع أحد قيادات الإخوان فى اسطنبول، وكان حاضر الذهن لم يتنازل قيد أنملة عن أفكاره ومبادئه، وأبدى رفضه أى انتهاكات تحدث بحق الإخوان أو غيرهم، واعتبر أن التيارات المدنية أخطأت، والإخوان أخطأوا، ويجب أن يراجع الجميع مواقفهم السابقة، على عكس ممثل الإخوان الذى لم يراجع موقفاً إخوانياً واحداً، وظل يردد نفس الكلام الباهت المحمَّل بكراهية ورفض كل التيارات التى عملت على إسقاط حكمهم.

وقد تحدَّث «الحكيم» أكثر من مرة عن أن النظام يطارده فى «أكل عيشه»، وأنه أصبح غير قار على الكتابة فى أى مطبوعة فى مصر، وأن أبواب الرزق أُغلقت أمامه لأنه يعارض النظام الحالى.

أما العبور الثانى فكان عبوراً مهاجراً للكاتب الصحفى جمال الجمل الذى قرَّر الذهاب إلى تركيا بعد أن أُغلقت أمامه أبواب الكتابة فى مصر، وهو واحد من أكثر أبناء جيلى نزاهةً وموهبةً ومهنيةً.

وقصة جمال الجمل لها أكثر من دلالة، فقد كنت قريباً من بعض تفاصيل ظروف عمله فى «المصرى اليوم»، وهو الذى تلقَّى منذ حوالى 3 سنوات اتصالاً تليفونياً من الرئيس السيسى لمناقشته فى أفكار أحد مقالاته، ثم تندهش كيف حوصر من نفس النظام الذى تواصل معه رئيسه وتعامل معه كأنه عدو، ومع تدهور الأوضاع السياسية ارتفعت وتيرة نقده تدريجياً حتى تحوَّل إلى رفض كامل للحكم، وأُغلقت أمامه أبواب العمل، وهو ما اضطره فى النهاية إلى العبور للضفة الأخرى والسفر إلى تركيا.

ما هو محبط فى عبور جمال الجمل وسليمان الحكيم للضفة الأخرى، مع اختلاف ظروفهما، أنه لا أحد من أهل الحكم اهتم ببحث الدلالة السياسية والاجتماعية لمثل هذا التحول، فهما فى النهاية كانا مؤيدين لـ30 يونيو و3 يوليو، وهما أيضاً كاتبان ومثقفان لا يمثلان نفسيهما ليس فقط بمنطق قدرتهما على التأثير فى دوائر من الرأى العام إنما فى كونهما انعكاساً لشريحة اجتماعية واسعة تحوَّل موقفها من التأييد إلى النقد، ثم إلى الرفض الكامل للنظام، وهى شريحة فى المجتمع ليست قليلة ويتم التعامل معها على أنها ليست مهمة وتخبط رأسها فى الحيط مادامت الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها فى معاقبة المعارضين.

أن يقوم اثنان من كبار الكتاب المصريين، كلاهما من خلفية سياسية ناصرية، ومن أشد المعادين لفكر الإخوان، وعارضا حكمهم بضراوة، بالذهاب لتركيا والتواصل مع الإخوان نتيجة تغيُّر فى موقفهما السياسى وليس لانتهازية واستفادة، فإن ذلك يعنى تعمُّق درجة الغضب من ممارسات النظام الحالى.

يقيناً، لو امتلك الحكم أى أدوات سياسية لَتَعامل مع هذه المواقف بطريقة مختلفة، ولَسَعى منذ البداية ألا يترك الناس تنتقل فى رفضها له لهذه الدرجة، على الأقل بترك مساحات لحرية التعبير وللتنفس ومراجعة الأخطاء، والعمل على تغيير ولو جانبا من السياسات.

تمتلك المعارضة خارج الحدود أدوات تواصل كثيرة فى ظل منافذ تُغْلق كل يوم فى الداخل، وفى ظل سيطرة أجهزة الدولة على الإعلام المحلى، متصورة أن الإعلام مازال هو «أهرام- أخبار- جمهورية»، والقناتين الأولى والثانية، فى حين أن الواقع تغيَّر، ونسب مشاهدة القنوات التى تبث خارج الحدود باتت كبيرة، وقراءة المواقع المعارضة تتم على نطاق واسع رغم الحجب.

العبور للضفة الأخرى لم يسفر عن أى تغيُّر فى ثوابت ومبادئ الزميلين، ولم يكشف أيضاً عن أى تغيُّر فى مواقف رموز الضفة الأخرى من الإخوان، إنما الذى تغيَّر هو درجة الضغط المفروضة على كثيرين داخل مصر جعلت خيار الهجرة خارج الحدود خياراً وحيداً.

يقيناً، خطوة العبور للضفة الأخرى لم يكن يتمناها الكثيرون، ولكنها لا تجيب عن سؤال: إذا وضعت نفسك فى ظروف الزميلين ماذا ستفعل؟

كما عاد سليمان الحكيم سيعود جمال الجمل قريباً إلى وطن حر عادل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العبور إلى الضفة الأخرى العبور إلى الضفة الأخرى



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 20:39 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 21:19 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يرد على تصريحات المخرج محمد سامي

GMT 01:56 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

كأس المدربين وليس كأس الأبطال..

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 19:58 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

حسين الشحات مهدد بالحبس فى أزمة الشيبى

GMT 00:21 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

أسعار الدولار في البنوك المصرية الأحد

GMT 00:41 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

ريال مدريد يزيل "راموس" من موقعه الرسمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon