توقيت القاهرة المحلي 22:16:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللقطة

  مصر اليوم -

اللقطة

بقلم : عمرو الشوبكي

فى مصر اللقطة أهم من المضمون، والشكل أهم من الجوهر، والحديث عن العمل والدعاية له أهم من العمل نفسه، وفى بعض الأحيان بديل عنه.

وقد عانينا فى السنوات الأخيرة من هذه الظاهرة أشد معاناة، حتى أصبحت نمط حياة فى السراء والضراء، وأصبحت اللقطة والصورة هدفا فى ذاته، حتى لو جاءت على حساب مائة مضمون.

إن ثقافة أو منظومة اللقطة تكره الحقائق، ولا تحب المعلومة الصحيحة، ولا تحتمل الاعتراف بالأخطاء والمحاسبة، لأنها كلها مسوغات تتعلق بالعمل وجديته، لا بالشكل والمظهر.

ربما يكون هذا الولع بالإعلام دليلا على عمق العلاقة بين ما نعيشه الآن و«ثقافة اللقطة»، فالسيطرة على الإعلام جعلت قطاعات واسعة من المشاهدين تتجه لقنوات الإخوان، وحين أعلن مركز جاد هذه النتيجة على الرأى العام تم إغلاقه، بدلا من مناقشة الأسباب التى أدت إلى تحول جمهور واسع من الناس نحو قنوات محرضة، لأنها تقدم صوتا مختلفا عن المعزوفة الرسمية.

كل ذلك لم يدفع أحدا إلى مراجعة أسباب انصراف الناس عن مشاهدة قنوات الدولة وأجهزتها، حتى أصبحت هناك حالة من الكراهية الشديدة لنشر الحقيقة، وابتُكرت كل الوسائل لإخفاء المعلومات عن الناس، واختفى إعلام الدولة الخاص والعام عقب كل كارثة، لأن المعتمد هو نشر «الإيجابيات»، أما السلبيات فالمطلوب إخفاؤها بشكل كامل أو تأخيرها بقدر الإمكان، وهو ما جرى فى الحادثة الإرهابية الأخيرة.

والحقيقة أن ما يجرى فى الإعلام يجرى فى السياسة والاقتصاد، فما يُقدم للخارج وللتصدير هو لقطة سياسية لا علاقة لها بما يجرى فى الداخل، وما يُروج للمشاريع الكبرى هو أيضا لقطة لا علاقة لها بحال الاقتصاد المصرى وأحوال معظم الناس.

أما ما جرى فى عملية الواحات الأخيرة، التى خلفت 17 شهيدا من ضباط وجنود الشرطة، فكان تجسيدا حيا لحالة اللقطة، التى تعمقت حتى أصبحت نمطا سائدا لدى أدوات النظام السياسى وأجهزته.

ولعل الشريط، الذى بُث كاملا على مواقع التواصل الاجتماعى وبثه «الإعلامى المحصن»، محذوفا منه بعض الأجزاء، والذى تحدث فيه طبيب الشرطة (شككت الداخلية فى صحته، فى حين أكدت لنا مصادر كثيرة صحته)، عن الحالات التى تم استقبالها والروايات التى تم تسجيلها لما جرى أثناء المعركة، كل ذلك يدل على أن هناك كمينا محكما أُعد للقوات، وأن المعلومات التى كانت فى حوزتهم لم تكن دقيقة، وأن خط سيرهم على الأرجح كان معروفا للإرهابيين، وأن هناك مَن اخترقهم لصالح العناصر المتطرفة.

والمؤسف والمؤلم فى نفس الوقت هو هذا التمييز الذى مارسه الإرهابيون بين الضباط والجنود، وبين مَن واجهوهم بالسلاح وبين مَن ألقوا سلاحهم، فالجنود تمت إصابتهم إصابات تعجيزية، والضباط تم قتلهم، وهى مسألة تعكس مستوى من التفكير الاحترافى لعصابة قاتلة، ولكنها تعمل على خلخلة القوات الشرطية من داخلها وإضعاف روحها المعنوية.

إن إضعاف تماسك الخصم هو من أساليب الدول وليس العصابات المسلحة، وهو بالفعل مارسته كل نظمنا السياسية السابقة حين واجهت خصوم النظام بمعادلة غير صفرية، أى قدمت مغريات للبعض، وحيّدت البعض الثانى، وواجهت البعض الثالث بقسوة.

وللأسف، لم يعد هذا يحدث حاليا ليس فقط فيما يتعلق بالتيار الإسلامى، إنما أيضا فيما يتعلق بالتيارات المدنية، فقد وُضع كثير من شباب التيار المدنى فى السجون، بناء على كلمتين أو حتى شتمتين، وأُغلق المجال العام والسياسى بقرار أمنى، وتكررت مظالم كثيرة أسهمت فى نقل ولو أجزاء محدودة من المجتمع إلى أحضان الإرهاب، وأفرزت عناصر تحمل السلاح، كما انسحبت أجزاء أكبر من المجتمع من المشاركة فى الحرب على الإرهاب، وكأنها لا تخصها (إلا فى صراخ بعض الإعلاميين المسؤولين عن سقوط هذا العدد من الشهداء)، بعد أن أقصتها الدولة تماما عن أى دور أو مشاركة أهلية، وتعرض كثير من أبنائها الأبرياء لمظالم ممتدة.

واللافت هو ما جاء على لسان طبيب الشرطة فى هذا الشريط، وتفسيره وجود هذا العدد غير المعتاد من ضباط الأمن الوطنى فى عملية من هذا النوع، وهو ما وصفه برغبة الجميع فى أخذ «اللقطة»، حتى لو كانت على حساب أرواح الجميع أيضا، فمن الواضح أن العملية لم يتم فيها التنسيق مع الجيش حتى تأخذ اللقطة جهة واحدة، واعتبرت «المعلومات المضروبة» حقائق دامغة لا تقبل وضع خطة بديلة فى حال خطئها.

فالمعلومة كانت تقول إننا أمام صيد سهل وثمين للإرهابيين، وإننا أمام عملية ستستغرق عشرات الدقائق، ونعود باللقطة لنقول إننا قبضنا على خلية إرهابية خطرة، وصفّينا عناصرها، ومن بينهم قيادات كبرى هاربة.

شهداء هذه المرة ليسوا مثل كل مرة، وإذا كنا سنعتبر أن معالجة الأخطاء الفادحة التى كلفتنا أرواحا ودماء أمر عادى، وأن ليس من حق الشعب، حتى لو كانوا من أهالى الضباط ومن داخل «الداخلية»، أن يطالبوا بالمحاسبة، فإن كارثة الواحات ستتكرر مرة أخرى، لأننا هذه المرة لسنا أمام خطأ وارد فى كل الدنيا (وفق نظرية الإرهاب موجود فى كل مكان)، إنما أمام خطيئة كبرى انطلقت من الحرص على اللقطة، فأخرجت كثيرا من الاستعجال والثقة الزائدة والخفة بالتحديات.

وكانت النتيجة تلك العبارة: رحم الله شهداء الواحات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللقطة اللقطة



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 20:39 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - يوسف الشريف خارج دراما رمضان 2025

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 21:19 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يرد على تصريحات المخرج محمد سامي

GMT 01:56 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

كأس المدربين وليس كأس الأبطال..

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 13:37 2023 الجمعة ,03 آذار/ مارس

افتتاح مطعم وجبات خفيفة أثري في إيطاليا

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 19:58 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

حسين الشحات مهدد بالحبس فى أزمة الشيبى

GMT 00:21 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

أسعار الدولار في البنوك المصرية الأحد

GMT 00:41 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

ريال مدريد يزيل "راموس" من موقعه الرسمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon