بقلم:عمرو الشوبكي
ما قام به محافظ سوهاج من إساءة فى حق طبيبة المراغة خطأ فادح، وما قام به رئيس الوزراء من اعتذار سريع لها عين الصواب ليس فقط لأن أى علاقة بين رئيس ومرؤوس يجب أن تكون المحاسبة فيها وفق لوائح وأصول وليس انفعالات «وشخط وزعيق» أمام الكاميرات، إنما أيضًا لأن جوهر الواقعة يقول إن الطبيبة اتخذت الموقف الصحيح ولم تخطئ ولم تقصر فى عملها، وإنها هى التى التزمت باللوائح التى وضعتها الدولة والمحافظة وخالفها المحافظ.
والحقيقة أن قواعد الكشف فى المستشفيات الحكومية تقول إن على المريض شراء تذكرة دخول بمبلغ يُفترض أنه رمزى لكى يتم الكشف عليه من قِبَل الأطباء، وهذا ما قالته الطبيبة للمريض، ولم يعجب المحافظ، الذى عنّفها بشدة لأنها التزمت بلوائح محافظته، ودخلنا فى محاولة نسج صورة جديدة تختلف عن تلك التى اعتاد بعض المحافظين ترويجها عن أنفسهم، وهى محافظو «الضبط والربط»، والوصول إلى صورة «المحافظ الإنسان»، الذى يخاف على المرضى ويتصرف بإنسانية تجاههم.
والحقيقة أن الإنسانية مطلوبة من الجميع حكامًا ومحكومين، ولكن هناك لوائح وضعتها الحكومة والمحافظة، وإذا خالفها أى موظف عام سواء كانت الطبيبة أو غيرها فيجب أن يحاسب، وبالتالى فإن أى محافظ يرغب فى تغيير أى لوائح تنظم عمل أى مؤسسة فى محافظته عليه أن يطرح الأمر على وزير الحكم المحلى والحكومة لإلغاء نظام التذاكر فى مستشفيات محافظته أو يدفع من ميزانية المحافظة ثمنها لغير القادرين، ولن يكون حل هذه المشكلة البيروقراطية أمام الكاميرات وبلقطة الصوت العالى.
جولات المحافظين الميدانية مهمة، ولكن ليس من أجل «الشو»، فيكفى ما جرى فى أسبوع واحد فى محافظتى الدقهلية وسوهاج، إنما هى فرصة لجعل قراراتهم غير منفصلة عن واقع الناس، ولكنها ستتم بالدراسة والعلم وليس فى الشارع وأمام كاميرات الهواتف المحمولة.
مطلوب ألّا يكتفى المحافظون فى جولاتهم بالمستشفيات الحكومية فقط، فالناس تريد أن تراهم داخل مختلف إدارات ومصالح المحافظة، وأن يتعاملوا مع المخطئين بطريقة مختلفة وعبر لجان كفء تحقق وتخرج بمؤشرات تساعد المحافظ على أن يتخذ قراراته من مكتبه ومع فريقه المعاون وليس فى الشارع وتحت عيون وسائل الإعلام الجديدة.
صحيح أن المنظومة الصحية فى مصر بها أوجه قصور كثيرة، وهو ما يتطلب مضاعفة ما تنفقه الدولة على الصحة والتعليم، وأيضًا الاستماع لآراء الخبراء فى مسار وطريقة إصلاح المنظومة الصحية، أما المحاسبة فهى واجبة تجاه أى مقصر مهما كانت مهنته وفق قواعد قانونية تُطبق على الجميع ودون أهواء أو انفعالات شكلية.