بقلم : عمرو الشوبكي
حسم جو بايدن نتائج انتخابات الثلاثاء العظيم، التى جرت فى 14 ولاية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة القادمة، متقدمًا بفارق ضئيل عن مُنافسه بيرنى ساندرز. وحصل «بايدن» على أصوات 507 مندوبين فى مقابل 441 لـ«ساندرز»، وجاءت إليزابيث وارين فى المركز الثالث وحصلت على 53 صوتًا، وهى ذات توجه ديمقراطى اجتماعى، ولها جاذبية فكرية وسياسية، وأخيرًا الملياردير «بلومبرج»، الذى حصل على 50 صوتًا، وهو الرجل الذى دفع أكبر مبالغ مالية فى تاريخ الانتخابات التمهيدية الأمريكية «500 مليون دولار». واللافت أن مرشحى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الثلاثة الكبار فوق السبعين عامًا، أى بيرنى ساندرز وجو بايدن من الحزب الديمقراطى، ودونالد ترامب، الرئيس الحالى، وهى مسألة تحتاج المزيد من التأمل والتحليل.
كما يلاحظ أيضًا إخفاق المرشح «بلومبرج» رغم الأموال الهائلة التى أنفقها على حملته، وهو ما يعنى أن المال وحده فى أى مجتمع طبيعى لا يمكن أن يضمن النجاح الانتخابى، وليس كل رجل أعمال ناجح بالضرورة سياسيا ناجحا.
ورغم اقتراب جو بايدن من حسم معركته التمهيدية فى مواجهة «ساندرز»، فإن تنميط الأخير من قِبَل بعض وسائل الإعلام الديمقراطية، وترويج اتهام له بأنه شيوعى، وتكرار شعار: «لا تنتخبوا ساندرز فهو مجنون Don’t vote Sanders، he is insane» لإخافة قطاع واسع من تيار الوسط فى الحزب الديمقراطى منه ودفعهم إلى عدم التصويت له، هو ما جرى بدرجة كبيرة. ورغم نزاهة «ساندرز» واتساقه مع نفسه وأفكاره، فإنه ساعد خصومه على تنميطه بالتركيز على خطابه الاشتراكى، وتأكيد استهدافه أصحاب الثروات الكبرى ومصالح رجال الأعمال، وهو ما اتضح من نتائج انتخابات الثلاثاء العظيم. وكشفت استطلاعات الرأى التى جرت عقب الانتخابات التمهيدية أن مَن يتخطون 45 عامًا والمواطنين من أصول إفريقية والمعتدلين من الحزب الديمقراطى صوتوا بنسبة 70% لصالح «بايدن»، فى المقابل أظهر «ساندرز» تقدمًا واضحًا فى أوساط الشباب ممن هم دون الثلاثين، إضافة إلى الأمريكيين من أصول لاتينية والتيارات الليبرالية والتقدمية داخل الحزب، وحصل على أكثر من نصف عدد أصواتهم.
وكما هى العادة أظهرت أيضًا استطلاعات الرأى انخفاضًا كبيرًا فى نسب تصويت الشباب مقارنة بتصويت الفئات العمرية الأكبر، مما يعنى أن جزءًا من أنصار «ساندرز» فضل المقاطعة على عكس أنصار مُنافسه «بايدن»، الذين شاركوا بكثافة. وتبقى معضلة خطاب «ساندرز» فى أنه انتقد بشدة نخبة الحزب الديمقراطى ومؤسساته لأنه يعرف أنها فى مجملها لن تدعمه، ولكنه لم يسعَ بصورة كافية لكسب ثقة الناخبين الديمقراطيين، الذين يصوتون للحزب منذ عقود ويثقون فى مؤسساته، ولم يحاول حتى اللحظة تغيير خطابه لإرضائهم. انسحب «بلومبرج» وأعلن دعمه لـ«بايدن»، وأصبحت فرص الأخير شبه مؤكدة لمنافسة ترامب فى انتخابات الرئاسة القادمة فى شهر نوفمبر المقبل، فهل يستطيع هزيمته؟ يبقى هذا حديثًا آخر.