توقيت القاهرة المحلي 14:27:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المنطقة الأخرى

  مصر اليوم -

المنطقة الأخرى

بقلم : عمرو الشوبكي

لم يكن حديث الرئيس السيسى، فى لقائه بالرئيس الفرنسى الأسبوع الماضى، عن المنطقة الأخرى المضطربة والأقل تعليماً وفكراً من أوروبا- حديثاً عابراً، حتى لو رفضه الكثيرون، إنما كان حديثاً كاشفاً لواقع جديد صارت تعيشه منطقتنا العربية، وأقرَّه أحد قادتها ومعه أيضاً تيار من شعوبها يرى أننا لسنا مؤهلين للديمقراطية، وأننا نعيش حرباً حقيقية ضد الإرهاب لا نحتاج فيها لخطاب حقوق الإنسان.

والمفارقة أن هذا الخطاب تلاقى مع رؤية تيار واسع من قوى اليمين المتطرف والقومى والمحافظ فى الغرب، الذى اعتبر أن هذه المنطقة Hopeless case ميئوس منها، وأنها فشلت فى أن تلحق بركب التقدُّم والديمقراطية وحتى تجارب الثورات العربية التى تفاءل بها الكثيرون انتهت إما بالفشل الكامل (سوريا وليبيا) أو التعثر (مصر) أو النجاح المتعثر (تونس)، وأن المطلوب الآن هو الحفاظ على دولها ونُظُمها حتى لو كانت استبدادية، بشرط ألا ترسل لأوروبا وأمريكا لاجئين أو إرهابيين، وتراجع أى حديث يذكر عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لتصوُّر سائد بفشل هذه المنطقة الأخرى.

يقيناً هذه النظرة ليست فقط لدى تيار واسع من النخب والمجتمعات الغربية، إنما (وهذه هى المفارقة) يتبناها تيار شعبى واسع داخل مصر من كل الشرائح الاجتماعية، يرى أننا نعيش فى منطقة أخرى غير مهيأة للديمقراطية (لم يقل ذلك فقط الراحل عمر سليمان أو رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ولا الرئيس السيسى بالقول إننا لن نعرف الديمقراطية قبل 25 عاماً إنما قطاع يعتد به من الناس أيضاً).

والحقيقة أن حديث الرئيس عن المنطقة الأخرى واقعىٌّ فى جانب وصادمٌ فى آخر؛ لأن مصر اعتادت أن ترى زعماءها يشيدون بشعبها، من سعد زغلول ومصطفى النحاس حتى جمال عبدالناصر، ولا يزال الناس يتذكرون جملته الشهيرة عن أن «الشعب هو القائد والمعلم»، واعتز كل زعمائنا التاريخيين بالقوة الإيجابية الكامنة فى شعوب المنطقة الأخرى وتاريخها العريق، فى نفس الوقت فإن الإعلام المصرى الحالى لم يتوقف عن التغنِّى بأمجاد الماضى والإنجازات الاقتصادية الحالية، على عكس خطاب الرئيس الذى تحدَّث عن أنها منطقة أخرى مضطربة تختلف ظروفها الفكرية والثقافية والتعليمية عن أوروبا المتقدمة.

من المؤكد أن الرئيس السيسى كان من المستحيل أن يقول هذا الكلام منذ نصف قرن، سواء قبل انتصار أكتوبرأو بعده، وأن خطاب الهزيمة الداخلية بدأ يترسَّخ فى العقود الأربعة الأخيرة، وهو لا يخصُّ الرئيس وحده إنما أيضاً يخص أطيافاً متنوعة من المجتمع والتيارات السياسية التى تعلق أخطاءها على الشعب المأزوم فكرياً وحضارياً (ولا يتورع البعض عن استخدام تعبير «المتخلف»)، فمثلاً حين أيَّد تيار واسع من الشعب جماعة الإخوان المسلمين (لأسباب كثيرة لا علاقة بأغلبيتها بتخلف المجتمع) اتهمه الناس بالجهل والتخلف، وحين عاد نفس هذا الشعب، وأيدت غالبيته الساحقة تدخل الجيش بقيادة السيسى لإسقاط حكم الإخوان اتهم أيضاً بأنه متخلف و«عبيد البيادة» ويحب من يستعبده دون أى محاولة لفهم أسباب هذا الدعم الشعبى الكبير لعزل مرسى وجماعته.

معضلة المنطقة الأخرى الأقل تعليماً والمتخلفة فكرياً وحضارياً عن أوروبا أصبحت Trend (ترند) يتسابق فى ترديده نخب الغرب والشرق، وعكست واقعاً أليماً باتت تعيشه هذه المنطقة التى تعانى بالفعل من تعليم متدهور ومن قلة وعى ومن ضحالة فكرية وثقافية، ولكنها بالتأكيد لم تكن تعانى من هذه الأزمات بمعزل عن السياق السياسى الذى تعيش فيه أو بسببه فى كثير من الأحيان.

المنطقة الأخرى هى نتاج واقع ثقافى وتاريخى، ولكنها أيضاً نتاج نُظُم حكمتها، وشكَّلت هذه الحالة البائسة التى يعيشها كثير من مجتمعاتها، وواقع هذه المنطقة هو نتاج تفاعلات كثيرة محيطة به، وليس فقط أحكام قيمية مطلقة وساكنة لا تتغير بتغير النظم الحاكمة والأزمنة.

فمثلاً فى المنطقة الأخرى التى قال عنها الرئيس (وهو حقيقى) إنها تعيش واقعاً فكرياً وحضارياً وتعليمياً يختلف عن منطقتنا المضطربة عرفت من يتحدث فيها فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات عن أن إسبانيا والبرتغال غير قابلتين لبناء نظم ديمقراطية، لأن فى الأولى نسبة الأمية تصل إلى 15% والثانية إلى 20%، كما أنها شعوب كاثوليكية متعصبة، والدين مهيمن على ثقافة شعوبها، بصورة تجعلها غير قادرة على تقبل النظام الديمقراطى لأسباب لها علاقة بالوعى والثقافة والتعليم.

ما جرى فى البلدين اللذين صارا بعد ذلك من الدول الأوروبية المتقدمة والديمقراطية تكرر فى مجتمعات كثيرة مثل أمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية، حين كانت تصف مجتمعاتها أيضاً بأنها غير قابلة للديمقراطية والتقدم، نتيجة تخلفها الحضارى والفكرى، ولكنها صنعت تقدمها بإرادة حكامها ونظمها السياسية.

إن قضية المناطق الأخرى يجب ألا يكون لها علاقة بنظريات الشعوب المتخلفة لأسباب «جينية» نتيجة أصلها العرقى أو الدينى أو الثقافى أى لأسباب خلقية، إنما هى أزمة مؤسسات دول ونظم سياسية تسهم فى تشكيل وعى المجتمعات وقدرتها على التغيير، دون أن تغيب أيضاً مسؤولية هذه المجتمعات وفاعليها السياسيين عن إحداث هذا التقدم.

الرئيس السيسى تحدث عن واقع «المنطقة الأخرى»، واختار جمهوراً غربياً يرتاح لهذه الرؤية، خاصة فى الوقت الحالى، وتبقى مهمة تغيير واقع المنطقة الأخرى مسؤولية من فى الحكم أولاً ومجتمعاتها ثانياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المنطقة الأخرى المنطقة الأخرى



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:09 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ
  مصر اليوم - دواء مضاد للاكتئاب قد يساعد في علاج أورام المخ

GMT 11:47 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

أشرف عبد الباقي يكشف أسباب ابتعاده عن السينما
  مصر اليوم - أشرف عبد الباقي يكشف أسباب ابتعاده عن السينما

GMT 09:51 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

أنواع مختلفة من الفساتين لحفلات الزفاف

GMT 06:29 2015 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

قضية فرخندة مالك زادة تفضح ظلم القضاء الأفغاني للمرأة

GMT 19:55 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنانة فاتن الحناوي بسبب إصابتها بفشل كلوي

GMT 03:38 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة التخطيط تؤكد أن 5000 فدان في الفرافرة جاهزين للزراعة

GMT 22:33 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

طريقة عمل البوظة السورية

GMT 09:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيع رواية "ودارت الأيام" في بيت السناري

GMT 12:56 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

Snapchat سيتيح للمستخدمين قريبا تغيير "اسم المستخدم" الخاص بهم

GMT 06:41 2021 السبت ,19 حزيران / يونيو

الأرجنتين يتخطى عقبة أوروجواي بهدف نظيف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon