بقلم : عمرو الشوبكي
لا توجد حرب بلا أهداف سياسية، ولا توجد حرب بلا نهاية، ولذا تبدو مشكلة معارك إدلب فى أهدافها السياسية، التى يدَّعِى كل طرف أنها العودة إلى تفاهمات «سوتشى»، والتى تُخْضِع المدينة وريفها «يعيش فيها ما يقرب من 3 ملايين مواطن سورى» للنفوذ التركى وفصائل المعارضة المسلحة، وتُخرجها عن السيادة السورية، فى مقابل استبعاد العناصر الإرهابية والمتطرفة.والحقيقة أنه لا توجد دولة فى العصر الحديث تدخل حربًا وتقول إنها من أجل ردع أعدائها، إنما تصيغ حزمة من الأهداف السياسية دفعتها إلى التدخل المسلح، وأيضًا حزمة من الأهداف السياسية تجعلها فى حال تحقيقها توقف الحرب.
إن الدول المعاصرة لا تُحرِّك جيشها خارج حدودها بدون غطاء سياسى «وأحيانًا أخلاقى» وإقليمى ودولى سواء بالحق أو الباطل، فحين غزَت أمريكا العراق وقدمت واحدًا من أفشل مشروعات التغيير السياسى فى العالم قالت إن هدفها هو بناء الديمقراطية وإسقاط الدول الوطنية العربية الاستبدادية، والاتحاد السوفيتى تدخَّل فى كل بقاع الأرض من أجل الدفاع عن الشيوعية ومواجهة الإمبريالية، وحين قامت إسرائيل باعتدائها فى غزة صاغت حجة سياسية تبرر بها حروبها، وهى مكافحة الإرهاب، وحين تدخلت إيران تقريبًا فى كل بقعة عربية كان ذلك تحت غطاء الدفاع عن المستضعفين وتصدير الثورة الإسلامية ومحاربة الإرهاب ولم تقل دعم الشيعة أو ردع العرب. وحين تدخلت مصر عبدالناصر فى اليمن اختارت الدفاع عن حلفائها الجمهوريين، وحين تدخلت السعودية لمواجهتها كان من أجل الدفاع عن الملكية، أى كان لكل بلد رؤيته وحساباته السياسية التى دفعته إلى هذا التدخل العسكرى.والمؤكد أن هناك رواية منقوصة لطرفى الحرب فى سوريا، فالنظام يقول إن هدفه القضاء على الإرهاب والإرهابيين، والمعارضة تقول إن هدفها إسقاط نظام أجرم فى حق شعبه، وإنه مسؤول عن قتل 400 ألف شخص، وكلا الطرفين لا يعبأ بقتل آلاف جدد لصالح تحقيق هدف سياسى غير قادر على تحقيقه.
هدف الحرب هو الوصول إلى صيغة للتفاوض بين فرقاء الساحة السورية، والمعضلة الحقيقية أن الصيغة السياسية المطروحة هى العودة إلى اتفاق سوتشى بين روسيا وتركيا، وهو اتفاق صار جزءًا من المشكلة وليس حلًا، فالمطلوب هو أن يبسط النظام السيئ سيادته على كل الأراضى السورية، بما فيها إدلب، ولا يمكن قبول استمرار صيغة «المعارضة المسلحة» على أى جزء من الأراضى السورية، فعسكرة الثورة السورية كانت أحد أسباب هزيمتها، فى المقابل يجب أن يفرض على النظام تأمين كل سكان المناطق التى تسيطر عليها المعارضة، بما فيها عناصرهم غير المتطرفة، فى مقابل تسليمهم السلاح وإنهاء المظاهر المسلحة.إجبار النظام على تقديم تنازلات جوهرية شرط لقبول سيطرته على كل الأراضى السورية، وهذا هو الحل الاستراتيجى طويل المدى وليس العودة إلى اتفاق سوتشى.